قال الشاعر العربي (الأم مدرسة اذا أعددتها.....) فكيف اذا كانت هذه الأم ارهابية, هذه لا تعدو كونها مقدمة حزينة لما آلت اليه عدد قليل من بنات وطننا. في أحد التسجيلات القديمة لأيمن الظواهري بعيد الحادي عشر من سبتمبر 2001 جاء ما نصه» ليس للنساء مكان بيننا»، وكانت تلك العبارة ردا على ما يبدو على أحد المستفسرين عن التحاق النساء بالتنظيم، ولكن السنوات التي تلت ذلك غيرت تلك الفكرة، ووضعت التنظيم أمام تناقض فكري، تخلى فيه بسهولة عن تشدده المعروف بالنظر إلى أن دور المرأة مقتصر على البيت، ليأخذ منحى أكثر تشددا في إدماج النساء في العمل المسلح. فعدد من النساء وهن بحمد الله قلة أصبحن يلعبن أدوارا كبيرة وخطرة وقاتلة ودموية داخل المنظومة الارهابية. إن تجنيّد امرأة إرهابياً يعني أنها تزيّد من نسبة تجنيد نصف المجتمع أضعاف ما يحققه تجنيد رجل لجماعة إرهابية في ظل خصوصية المرأة وسهولة تحركها وتخفيها بسبب ثقافة وعادات وتقاليد مجتمعنا السعودي والتي تجد فيها المرأة من الإمكانات والخيارات والتسهيلات الكثير للوصول بها إلى الأهداف أكثر من الرجل, وكذلك بسبب تأثيرها المباشر والغير مباشر على أسرتها. التنظيمات الارهابية لجأت إلى العنصر النسائي لأن المجتمعات العربية والإسلامية تنظر إلى المرأة على أنها عنصر بعيد عن الشبهات نظراً لتقاليد هذه المجتمعات التي تفرض على المرأة قيوداً خصوصاً في مهام يغلب عليها الطابع الأمني والمجازفة بوجودها وحدها في أماكن تحيط بها الأخطار، لذا يأتي السعي والمثابرة من قبل جماعات الإرهاب لاستقطاب العنصر النسائي، وتفعيل أدوارهن بما يخدم مخططاتها لتنفيذ مهام ذات طابع لوجستي أو استخباراتي. السؤال المهم: إلى أي مدى تكون المرأة في مجتمعنا بعيدة عن إمكانات التجنيد الإرهابي أو قريبة منها؟ المشكلة تكمن في أن الوصول للمرأة ووسائل تجنيدها أقل كلفة من تجنيد الرجل، وفي نفس الوقت هي أكثر فداحة من حيث النتائج فالخطورة الحقيقية تكمن في التطرف وقدرة الجماعات الإرهابية على تجنيد مناصرات لها من النساء أو منفذات لأجندتها حتى إن سلّمنا بأنها لا تشكل ظاهرة كما لدى الرجال، حيث إن العلاقة التي تربط المرأة بأفراد المجتمع تشكل شبكة مركزها المرأة (الأم أو الأخت أو البنت أو الزوجة). ومع أن استجابة المرأة ضعيفة لهذه التيارات المتطرفة مقارنة بالرجل إلا أن هناك عددا من النساء ممن تورطن في اعتناق الأفكار المنحرفة وسعين في نشرها أو في تقديم خدمات تساند التنظيمات المتطرفة, لأسباب كثيرة منها الجهل والعاطفة دون وعي بخطورة هذه التنظيمات خاصة أنها تركز على جانب العاطفة أكثر من الجوانب العلمية أو العقلية من خلال بث الصور والأناشيد الحماسية والخطب الرنانة والقصص المحرفة. لا شك أن إحدى أهم استراتيجيات التنظيمات والجماعات الإرهابية هي أخذ المجتمع من مناطق ضعفه بدايةً من صغار الشباب وانتهاءً بالمرأة، ومحاولة استغلال المرأة وطبيعتها ليجنّدوها ضمن مخططهم الكبير، لتكون حطباً في مواقدهم، وهم يعتبرون تجنيدها أسلوباً استراتيجيا ليتمكّنوا من اختراق نصف المجتمع المغلق في وجوههم، وليؤمّنوا لأنفسهم دعماً من المرأة التي يتعامل معها الأمن بطريقة مختلفة لاعتبارات دينية واجتماعية وثقافية. وشهدنا كيف وصلت الحال بتنظيم القاعدة إلى التخفّي بلباس المرأة، وهذا السلوك الاستغلالي لمناطق ضعف المجتمع تحاول الجماعات الإرهابية بوسائل مختلفة اختراق المجتمع من خلاله. عندما انضمت المرأة للجماعات الإرهابية كان دورها مقصورا على الطبخ والتنظيف ونحو ذلك، ثم أصبحت تستخدم في إيصال الرسائل بين قيادات التنظيم والجماعات خارج السجون، وتتضمن تلك الرسائل في الغالب تكليفا بعمليات إرهابية، أو عمليات اغتيالات وغيرها, وبعد ذلك تطورت أدوار المرأة إلى المشاركة المباشرة في العمل المسلح بتنفيذ عمليات إرهابية وتفجيرات وقتل. إذن لم يعد الإرهاب حكرا على الرجال، فقد أصبح للنساء حصة فيها. وما يقال اليوم عن انخراط المرأة في العمل الإرهابي ليس مبالغة أو ترويجاً إعلامياً من باب التهويل، بل هو حقيقة تثبتها الوقائع وان كان العدد بلا شك اصغر واقل من الرجال.. المرأة الإرهابية ذات شخصية انفعالية، تعاني خللاً في تعاملها مع الأشياء في محيطها، ما يولد عندها إحساساً بالفشل والاحباط والنقص، فتتكون لديها مشاعر يختلط فيها السخط بالاكتئاب وحب الانتقام من المجتمع الذي عجزت عن إثبات نفسها فيه، يضاف إلى هذا التعبئة المتشددة التي ليس من مفرداتها الرأفة والرحمة وحب الآخرين، بل القسوة والعنف والشحن ضد الدولة والناس كافة، حتى تصل إلى قناعة تامة بالمبررات التي تلقن إياها، إلى ما هنالك من تعبئة فكرية إيديولوجية تكفيرية ارهابية . وما يجعل تجنيد المرأة في الإرهاب وسيلة ناجحة هو أنه يصعب ملاحظة أي تغيير عليها حتى من قبل أسرتها قبل انخراطها الفعلي، باستثناء الأشخاص القريبين منها إذ يلاحظون أنها باتت أكثر تعصبا في افكارها واطروحاتها، وأكثر انفعالا ورفضا لأفكار الآخرين ونصائحهم. وحسب أحد قادة الإرهاب «فإن الاستعانة بالنساء في العمل الحركي يحدث بين الحين والآخر من باب تغيير التكتيك، لتضليل أجهزة الأمن عندما يتم تكثيف الإجراءات الأمنية لمواجهة العناصر الإرهابية»، وقد قطعت جماعات الإرهاب شوطاً بعيدا في تجنيد النساء داخل التنظيمات، وأحد أسباب ذلك يرجع لعدم شعورها بالاستقرار أو إحساسها بالاضطهاد أو المعاناة أو شعورها بالدونية إذا لم تحصل على مواقع قيادية تبرزها كالتي تحصل أو تشعر بها خلال انضمامها لهذه الجماعات الفكرية الارهابية فالمرأة بغريزتها وفطرتها تحب وتميل إلى الاستقرار، ومن جانب آخر، هي مسؤولة عن توعية أبنائها في ما يتعلق بالأمن وشعورهم بالمواطنة، فإذا لم يتحقق لها الاستقرار فلن تتم توعية الجيل والأطفال بالمواطنة، ويضعف شعورها الداخلي بالانتماء وهذا الشعور يستغله المغرضون المؤدلجون والمسيسون، فينجحون في استقطاب المرأة، خصوصاً تلك التي تملك طموحاً وهمة وشجاعة، تتحول إلى تهور يهدد أمنها وأسرتها ووطنها. وعندما يتمترس الإرهابيون خلف النساء والأطفال في المظاهرات، أو الاعتصامات أمام السجون ويتنازلون عن سيادتهم على المرأة، فذلك من باب حماية أنفسهم، ولكي يضربوا عصفورين بحجر واحد ، فإذا أصيبت النسوة، فإنهم سرعان ما يوظفون ذلك إعلاميا وعالمياً وبوسائل التواصل الاجتماعي ويسوق ذلك بفجاجة لتشويه صورة قوات الأمن في أنهم يقتلون النساء، أما في حال اذا ما سقطن ضحايا فالأفضل بالنسبة لهم أن تموت النساء لا الرجال، لأن قيمة المرأة أدنى من قيمة الرجل عندهم ! كذلك فإن الجماعات التكفيرية الارهابية يستخدمون المرأة كعنصر جذب لاستقطاب أعضاء جدد إلى صفوف التنظيم، أو كمكافأة لهم على بعض العمليات التي قاموا بتنفيذها، حيث يزوج أمير الجماعة أحد الأعضاء ب «أخت» من التنظيم يختارها له، وغالبا ما يكون الزواج مجانا على طريقة (وهبتك نفسي)، ولا تتوقف المكافأة عند هذا الحد بل تشمل أيضاً أعباء المهر والمسكن وكافة النفقات الأخرى . لقد استمات أرباب الارهاب لإيجاد صلة قرابة بين المرأة والرجل الذي ينتمي للفكر الضال داخل التنظيم وهو ما تهدف إليه المنظمات الارهابية من خلال تكريس الحفاظ على الكوادر، التي انتمت سابقًا للتنظيم بالتبعية الزواجية وبالتالي سيسهل دخولها في مستنقع الإرهاب، وسيتمدد دورها الذي ستلعبه داخل تلك الجماعات، وذلك عن طريق فهم تلك الجماعات للعلاقة بين الجنسين، وتقديم خدماتها لأسباب استراتيجية، وتنفيذ أعمال دعم لوجستي، كجمع الأموال، وتجنيد الفتيات، وتوفير الأماكن الآمنة للعناصر المطلوبة. وهناك روايات تشبه الأساطير عن دور المرأة الإرهابية التي تحرص على التدريب في ساحات القتال كالرجال تماماً، وتبرع في الرماية وإعداد المتفجرات والتفخيخ والتنكر وغير ذلك. كما في بعض الدول العربية التي نجحت الجماعات الإرهابية في تجنيد المرأة فيها، فقد كانت جماعة «التكفير والهجرة»، قد نجحت في تجنيد المرأة الإرهابية، وتشير أوراق إحدى جرائمهم إلى وجود 22 سيدة في لائحة المتهمين بالانتماء إلى الجماعة، وفي قضية أخرى قبض على متهم في التنظيم، ومعه ثلاث سيدات، والمثير أن المباحث حين فتشت الشقة لم تعثر على مسدسات وذخيرة ومستندات فقط ، بل عثرت لدى إحداهن على عبوة متفجرات وفتيل، واتضح من التحقيقات لاحقاً أن تلك السيدة كانت صاحبة فكرة تفخيخ ثلاث شقق كان يختبئ فيها أعضاء التنظيم. ومن متابعة نشاط المنظمات الإرهابية في تجنيد المرأة نجدها تعمل على استغلالها في أمور شتى حسب قدرتها واستعدادها النفسي والأسري والجسدي والمهني، وتتمثل مشاركتها في تجَنيدها كعنصر للاستقطاب والترويج للفكر الإرهابي بين الأهل والأقارب والجيران وزميلات العمل، وقد برعن لحد كبير في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت للترويج للفكر الضال وأهله وهذا في مرحلة لاحقة، وذلك بالدعاية للفكر الإرهابي والدفاع عنه، والحديث عن الظلم الذي يتعرض له الإرهابيون السجناء، والدعوة إلى العنف، وتمجيد الإرهابيين، والتحريض على الدولة، وذلك في مجالس النسوة المغلقة والحلق والأعراس والدور النسائية، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي. وهنا يبرز دور المرأة الفعال والخطير في شبكات التواصل الاجتماعي، «تويتر» و«فيسبوك» و«واتس أب» وغيرها كثير ، كحلقة مهمة في جمع التبرعات وربط عناصر التنظيم،. أن شبكات التواصل، بما هي عليه اليوم من الانتشار والسطوة في التواصل، تمثل وسيلة الربط بين أفراد هذه المنظمات لحشد المناصرين وتجنيد الأفراد والحصول على التمويل بكل الطرق والوسائل. أن شبكات التواصل الاجتماعي لا تستخدم بشكل واسع لنشاطات التمويل فقط، وإنما تستخدم بشكل أكبر في نشاطات التجنيد، والسبب يرجع للسيطرة والمراقبة الفعالة التي فرضتها الأجهزة الأمنية على عمليات تحويل الأموال. ويتضح دور المرأة كذلك في المشاركة الفعلية بالانخراط في العمل الإرهابي، وذلك بجمع الأموال باستغلال حب بعض النسوة لعمل الخير، وسذاجة بعض النسوة وقلة اطلاعهن فيطلبن التبرع للأيتام وأبناء السجناء والأرامل، بعد أن يروين قصصا عن ورع الإرهابيين وجهادهم، وغير ذلك مما يجعل الأموال والذهب والمجوهرات تتدفق عليهن فيسارعن إلى إرسالها للإرهابيين عبر وسطاء، أو يحملنها معهن ، كما تستخدم بعض النسوة المنتميات للتنظيم في نقل الرسائل مكتوبة أو شفهية بين قادة التنظيمات الإرهابية، كما يساهمن في توفير الملجأ والمؤونة والمعلومات للإرهابيين، وشكلت بعضهن الحاضنة الاجتماعية للإرهابيين، كتلك التي احتفظت برأس القتيل الأمريكي في ثلاجتها. ويبدو هذا الدور واضحا من خلال العديد من العمليات الإرهابية التي قامت بها وساعدت على قيامها نساء على مدى تاريخ العمل الإرهابي حول العالم. وفي بلادنا فلا شك أن الارهابيين نجحوا الى حد ما في استمالة بعض النسوة، اللاتي تزوجن من داخل التنظيم، لكن لا شك أن هناك نسوة داخل الوطن مازلن يعملن لصالح الارهابيين بحماس بالغ، فيجمعن الأموال، ويلقين الندوات في المجالس النسائية المغلقة. وبلا شك قد لا يكون الارهاب نجح في الوصول إلى مرحلة صناعة انتحاريات بعد ، لكن في حال استمر الوضع على ما هو عليه فلا يستبعد أن يتطور الأمر ليصل إلى مرحلة تفشي ظاهرة الانتحاريات - لا قدر الله -. ومع ذلك كله ما زال الطاقم النسائي في التنظيم عاجزا عن إيجاد كوادر نسائية لديهن القدرة على القيادة، وما زالت الرواسب الثقافية المتشددة في عقلية قادة التنظيم تستغل النساء فقط عند الحاجة، وتجعل منهن وسيلة لتنفيذ الهجمات الدامية، وتلعب على وتر مآسيهن الشخصية دون القدرة على إقناع فكري لهن. ولم يقدم التنظيم إلى اليوم امرأة يمنحها الثقة في قيادته، بل إن كثيرا من الملتحقات بصفوف التنظيم يتراجعن عن أفكارهن المتطرفة بسهولة حين يجدن من يناقشهن بالحجة المقنعة، ويوفر لهن الحماية من استغلال أزواجهن أو إخوتهن لهن, ما يعني أن التنظيم المتطرف لم يصل بعد على الرغم محاولاته التغلغل الشعبي إلى درجة يتجاوز معها عقدته الفكرية الذكورية. يجب أن نعلم جميعا بأنه ليس هناك ما هو أغلى وأهم من أمن الوطن؛ فالأمن مثل الهواء لا يستغني عنه أحد، فالوطن لو ضاع - لا قدر الله - لن يجد اولئك ركنا آمنا ليمارسوا عباداتهم عليه، ناهيكم عن الخوف والرعب والجوع والمرض وغير ذلك مما يتعرضون له بفقدهم لوطنهم - لا قدر الله -. و«المواطن رجل الأمن الأول» مفهوم وطني وأمني لابد أن نستوعبه جميعا في البيت والمدرسة والجامعة والمسجد ومقار العمل، ولا بد أن نكرس مفهوم الإبلاغ عن كل ما يشتبه بأنه قد يضر بالوطن أو قد يسبب الأذى للناس، ولا بد أن نتبنى جميعا فكرا وقائيا مضادا للفكر الضال المنحرف عن جادة الصواب، ولا بد أن نمارس دورا أمنيا حقيقيا بالاعتدال والوسطية ونبذ العنف والتشدد وأن نؤسس في الجميع خاصة الشباب الحس الأمني تجاه وطننا وما يواجهه من أخطار. ويجب إعلاء قيمة الوطن لدى المواطنين دينيا وتربويا واجتماعيا وإعلاميا وفكريا في المساجد والمدارس والجامعات ووسائل الإعلام، التي يبدو أنها آخر من يعلم، فتراخي وزارات (الشؤون الإسلامية والتربية والتعليم والتعليم العالي، والثقافة والإعلام) يؤكد وكأن الجهات الأمنية للأسف تحارب الإرهاب وحدها، وكأنها هي فقط من عليها المحافظة على أمن الوطن، وليس كل تلك الوزارات والادارات التي لها مساس مباشر بشريحة كبيرة من المواطنين، وصفتها تلك تحتم عليها أن تسعى إلى تشكيل وعي المواطنين بأهمية الحفاظ على أمن الوطن واستقراره. وكذلك من المهم العمل على إيجاد مراكز بحوث اجتماعية أمنية لمتابعة مثل هذه الحالات، والتعرف على أسبابها وتوعية المجتمع حول كيفية تلافيها وعلاجها؛ وكذلك المطالبة بضرورة عقد ندوات، ومؤتمرات خاصة بالتربويات ؛ لتوضيح طرق استهداف المرأة، وإنشاء مواقع، ومنتديات إلكترونية نسائية، وبإدارة نسائية ينشرن من خلالها الوسطية، ويتصدون للأفكار الارهابية، ويناقشن أقرانهن من المتأثرات بالفكر المنحرف. سائلا الله تعالي أن يحفظ وطننا هذا من كل شر بقيادة الراشدة ويجعل هذا الوطن كما كان وسيضل بإذن الله منارة للخير والكرم والبذل والعطاء لكل إنسان.