قياس مستوى المُعلّم وقدرته المعرفية في التخصص والتربية تمثل الاختبارات والمقاييس أهمّية قصوى لدى العديد من الجهات، وبالأخص تلك التي تتمثل مسؤوليتها في القياس والتقويم، وتبني على نتائجها الخطط والأهداف التي تسعى لتحقيقها، وتلك الاختبارات ليست وليدة اللحظة فقد بدأت مبكراً لخريجي المرحلة الثانوية ثم شملت الموظفين المتقدمين للوظائف الحكومية حتى أن أصبحت في الوقت الحاضر يترتب عليها منح رخصة مزاولة مهنة التعليم من عدمها. وبين الأخذ والرد في الوسط التربوي على تلك الاختبارات والرخصة المهنية وحداثة تطبيقها على المعلمين طرحت "الرياض" هذا الموضوع على عدد من المختصين والمهتمين بهذا الأمر. حافز أساسي في البدء تحدث د. فهد مبارك العرجي -عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مستشار في هيئة تقويم التعليم- قائلاً: كما يعلم الجميع أن الرخص المهنية ليست فقط للمعلمين وإنما لمعظم المهن الحساسة وعلى رأسها مهنة التعليم، وقد طبقت من قبل معظم دول العالم المتقدّم منذ عقود من الزمن، وتعتبر مهنة المُعلّم هي المهنة الأم بين المهن، حيث إنها المهنة التي يتخرّج على يدها جميع المهن، فالجميع من مخرجات التعليم، وكما قيل إذا أردت أن تطوّر الدولة فعليك بتطوير التعليم، مضيفاً أنه استفادت المملكة من خلاصة التجارب العالمية في مجال الاختبارات المهنية للمعلمين وبلورت تجاربها ولخصت المعايير المهنية لديهم وقننتها حسب ثقافتنا وديننا الإسلامي الحنيف، وخرجت بالمعايير المهنية للمعلمين بالمملكة، مبيناً أن مقولة: "أن وظيفة المُعلّم وظيفة من لا وظيفة له" لم تعد فعّالة بعد اعتماد المعايير المهنية من مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم -تطوير-، فأصبح الاختبارات المهنية للمعلمين لمعظم التخصصات هي الفيصل في اختيار المعلمين الأكفاء الذين يظهرون قدرات وكفايات عالية على تعليم وتدريب فلذات أكبادنا بطريقة علمية ومهنية من شأنها تطوير مخرجات التعليم. ركن أساسي وأوضح د. محمد بن عبدالله المعيلي -أستاذ مشارك بجامعة الملك سعود- أن التأهيل الجيّد للمُعلّم ومواكبة مستجدات المهنة يعد ركناً أساسياً لابد من توفره لتتطوّر مهنة التعليم ولتواكب النمو السريع للمعرفة البشرية، مضيفاً أن أساسيات المهنة والتخصص التي يكتسبها المُعلّم في دراسته للمرحلة الجامعية ما هي إلاّ نقطة الانطلاق لفضاء فسيح من العلم والمعرفة والخبرة الذين يتطورون بشكل مستمر ودؤوب، ذاكراً أنه ليتضح المقصود، فلنضرب مثالاً بما قبل جائحة كوفيد 19 وما بعدها، قبل الجائحة لم تكن هناك حاجة ملحة لتطوير مهارات المُعلّم في التعلم الإلكتروني والتعليم عن بُعد، أما خلال الجائحة فأصبح التعليم عن بُعد هو الخيار الوحيد والتعليم التقليدي خيار غير متاح، تذكر أيها القارئ الكريم الكم المعرفي الهائل والخبرة الواسعة التي اكتسبتها، سواء كنت معلماً أو ولي أمر، في التعلم الإلكتروني والتعليم عن بُعد خلال فترة الجائحة، كان ذلك نتاج حضور دورات، وتعلم ذاتي، وتعلم بالخبرة والممارسة، ولأن التفاوت في اكتساب هذه المعرفة الجديدة أمر متوقع، كان لابد من معرفة جوانب القصور لتقويمها، خصوصاً وأن الحاجة إلى التعليم عن بُعد ستظل قائمة حتى بعد انجلاء هذه الجائحة. تطوّر وتقدّم وتحدثت أسماء محمد العمر -محاضرة بجامعة الأميرة نورة- قائلةً: تُعتبر الاختبارات المهنية من أهم الخطوات التي قامت بها هيئة تقويم التعليم لتطوير التعليم، فالمُعلّم هو العنصر الأساسي والمُهم في منظومة التعليم، والاختبارات المهنية أجبرت الجميع على القراءة والبحث كل في مجاله لاجتياز الاختبار وهذا بحد ذاته ضمن لنا تطوير المُعلّم بطريقة غير مباشرة، والتي بالطبع يعود أثرها على الطالب والمجتمع، كما أن هذه الاختبارات ساهمت بشكل كبير في تدريب طلاب وطالبات الجامعات في الميدان تحت إشراف أكاديميين -معلمين- مؤهلين للتدريب والتقييم، واختلاف وجهات النظر أمر طبيعي وهو صحي إذ يساعد في عملية تطوير اختبارات القياس من خلال اعتبار ملاحظات من يرى عدم جدوى هذه الاختبارات، وبالتالي يتم تغطية جوانب أخرى تزيد من فعالية الاختبارات والرخص المهنية، مبينةً أنه سينعكس أثر تطور القدرات والمهارات التربوية للمُعلّم على جودة مهنة التعليم، وقد لا يتضح ذلك للبعض في الوقت القريب لأن الأثر استراتيجي وبعيد مدى، ولكن مع مرور الوقت سيلاحظ الجميع نتائج إيجابية على المُعلّم أولاً وعلى الطالب والمدرسة ونظام التعليم ككل، وبالتالي تطوّر وتقدّم وازدهار وطننا الغالي. قدرة معرفية وذكر أ.د. إبراهيم بن عبدالله العبيد -أستاذ أصول التربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- أن المتمعّن في مهنة التعليم والمُعلّم قبل الرخصة يجد أن العملية التعليمية عملية تقليدية، كما أن المُعلّم كان عبارة عن خبرة سنة واحدة متكررة لأعوام مختلفة، لذا فقد تعددت شروط وإجراءات التراخيص لمهنة التعليم بين الدول، ولكنها اتفقت في بعض شروطها ومنها: تحديد الهيئة المانحة للتراخيص والإعلان عنها والتعريف بها، إعداد دليل لتحديد المتطلبات اللازمة للتقدم للحصول على رخصة المعلم، تحديد الوثائق الرسمية اللازمة لتقديمها للحصول على الرخصة والتي تتضمن شهادات التخرج من مؤسسات إعداد المُعلّم والمشاركات والدورات وما في حكمها، الرخصة محددة الصلاحية وعلى كل مُعلّم التقدّم لتجديدها خلال العام الأخير من صلاحيتها، لافتاً إلى أنه يمثّل اختبار الرخصة قياساً لمستوى المُعلّم وقدرته المعرفية في تخصصه وفي التربية، وبناءً عليه تتحدد صلاحيته لمزاولة المهنة واستمرار علاوته من عدمها، وقد لا يكون لرخصة مهنة التعليم دور مباشر بشكل قوي نحو تطوير التعليم، ولكن الحصول عليها جزءٌ من أمور أخرى موجهة للتطوير، وينبغي على المعلمين الثقة بأنفسهم وتطوير ممارساتهم تماشياً مع متطلبات العصر الحديث. صدى واسع وقالت هدى سعد المرشد -قائدة مدرسة-: إن وزارة التعليم تسعى جاهدة لرفع كفاءة معلميها، وتبذل جهوداً جبارةً لتحقيق أهدافها التربوية والتعليمية، وانطلاقًا من هذا السعي الجاد اعتمدت الاختبارات المهنية للمعلمين لتتحقق من تكامل مؤهلاتهم وقدراتهم الواجب توافرها فيمن يشغلون الوظيفة، وقد كان لهذا القرار صدى واسع في الوسط التربوي، ما بين مؤيد وغير مؤيد: فالمؤيد آثر النظر بإيجابية إلى مردوده على المُعلّم الذي سيزداد حرصه على تطوير ذاته والسعي لرفع كفاءاته وقدراته العلمية والتربوية مما يجعله متجدداً مبتعداً عن الروتين الذي اعتاده بعض المعلمين مع طلابهم، أمّا غير المؤيد فيرى أنها مجرّد حجر عثرة للمعلمين تمنعهم من الحصول على علاوتهم السنوية التي ينالها موظفو الدولة دون إجراء مثل تلك الاختبارات التقييمية لهم والاكتفاء بتقييم أدائهم نهاية العام، خاصةً وأنه لا توجد وزارة تطبق مثل هذه الاختبارات المتكررة، مشيرةً إلى أن وزارة التعليم تعمل على تدريب معلميها وتطويرهم وحثهم على مزيد من البذل والعطاء من خلال الحصول على الدورات المناسبة التي ترفع مستوياتهم، دون بثٍ للقلق والتوتر النفسي، وزيادة تعزيز التميز والإبداع الذي يدفع المعلمين إيجاباً لإنتاج مخرجات أقوى وأكثر أصالة. واقعية الاختبار وأشار شاكر صالح السليم -مُعلّم- إلى أن الرخصة المهنية والاختبار المهني، يشكّلان جزءاً لا يتجزأ من مشروع تمهين التعليم، إذ الحصول على الرخصة يتطلب دخول الاختبارين المهنيين الخاصّين بها، حيث يعدّان مقياساً للكشف عن مستوى المُعلّم في تخصصه الجامعي، والمعايير التربوية والمهارية، ثم تحديد مستواه حسب الدرجات المحددة لكل مستوى من مستويات الرخص، والاختبارات ووثيقة الرخصة ليست نهاية تمهين التعليم، بل الخطوة الأولى، حيث يكمّل دور الرخصة المهنية متطلبات اللائحة التعليمية وبقية الأنظمة في الخدمة المدنية، كواجبات اللائحة وشروطها، وترتيباتها العملية، والامتثال لواجبات العمل، والابتعاد عن المحظورات التي تمنع الاستمرار في الوظيفة، مبيناً أن الاختبارات المهنية ليست كل شيء، حيث متطلبات الانتقال بين المستويات والرتب متنوعة، ومتطلبات لائحة الوظائف التعليمية هي الجزء الآخر المكمل لدور الرخصة المهنية، من حيث الأداء الوظيفي، والمتابعة، وسير العمل، وخلو أسباب استبعاده عن مهنة التعليم، ذاكراً أن للرخصة المهنية والاختبارات دورهما المُهم، إذا تم استبعاد فكرة التحدي عن الذهن، من خلال واقعية الاختبارات، وعدم انحرافها عن أهدافها. معايير وضوابط وتحدثت الجوهرة إبراهيم الثويني -خبيرة في المجال التربوي- قائلةً: إنه من منطلق حرص الدولة على تطوير العملية التعليمية، أقرت إصدار الرخصة المهنية لشاغلي الوظائف التعليمية والتي تعد وثيقة تصدرها الهيئة العامة للتعليم والتقويم وفق معايير وضوابط محددة، يكون الحاصل عليها مؤهلاً لمزاولة مهنة التعليم بحسب مستويات ومدة زمنية محددة، كما تعد إحدى متطلبات الحصول على الرتبة المهنية الصادرة من وزارة التعليم، مضيفةً أن الرخصة وثيقة مهنية تؤكد جدارة حاملها، وقدراته العلمية والمهارية لممارسة مسؤولياته، سواء كانت قيادية أم أكاديمية، وهي حق مكتسب للمتميزين -وهم الأغلب- في حرصهم على تنمية مهاراتهم من خلال التعلّم الذاتي، مما يسهم في رفع جودة أداء شاغلي الوظائف التعليمية وفق المعايير المهنية ومتطلبات الترخيص المهني التعليمي، مما يحفز على التطوير المهني والتعلم الذاتي، إضافةً إلى أنه يطبق عمليًا المعايير المهنية في مجال التخصصات التعليمية المختلفة، مما يضمن استيفاء المُعلّم للحد الأدنى المقبول من معايير الكفاية المهنية. جدارة ومهارة وقالت د. ندى زعل الودعاني -جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز-: إن هناك بعض التخوف لدى البعض من اختبارات الرخصة المهنية، لكن مما لا شك به أيضاً أن هذه الاختبارات وضعت من أجل دعم شاغلي الوظائف التعليمية معنوياً ومهنياً ومن أجل تعزيز قدراتهم وإسهاماً في فتح آفاق واسعة للتعلم والتطوير والاطلاع على الاستراتيجيات التعليمية الحديثة، وتعتبر الرخصة المهنية لمزاولة مهنة التعليم وثيقة مهنية ضرورية من أجل ضمان حق شاغلي الوظائف التعليمية وحق المتعلمين أيضاً، لذلك تم تطبيقها واشتراطها كمتطلب لمزاولة مهنة التعليم في معظم دول العالم مثل أميركا وكندا وبريطانيا، مضيفةً أنه تشكل الرخصة المهنية في الحقيقة دعماً لشاغلي الوظائف التعليمية فهي تثبت بأن حاملها مؤهل لمزاولة مهنة التعليم وذو كفاءة وتميز بحسب مستويات ومدة زمنية محددتين، فهي كما أشارت هيئة تقويم التعليم والتدريب وثيقة تؤكد جدارة حاملها وقدراته العلمية والمهارية لممارسة مسئوولياته، وهي أيضاً حق مكتسب للمميزين ممن اجتهدوا في تطوير مهاراتهم. تنمية مهنية وأكدت نجلاء محمد القاسم -أستاذ بجامعة الملك سعود- على أن اختبار الرخصة هو أداة تطوير وليس أداة محاسبة أو دليل ضد المُعلّم، كما لا تتعلق بقيمة المُعلّم ومكانته، وهي إحدى الممارسات المهنية في الدول المتقدمة، ويهدف الاختبار إلى معرفة الوضع الراهن للمعلمين بشكلٍ عميق وتخصصي، والكشف عن نقاط القوة وتعزيزها، واكتشاف نقاط الضعف لمعالجتها وتقويتها، سواء أثناء إعداد المُعلمين أثناء المرحلة الجامعية أو بعد الالتحاق بالخدمة. ووصفت مريم رويشد العنزي -ماجستير أصول التربية- مهنة التعليم أنها أحد المهن الرئيسة التي تحتاج الإعداد الجيّد والتنمية المهنية، وهو ما أدى إلى ظهور رخصة لمزاولة مهنة التعليم لتحديد مستويات المعلمين، والتي تهدف إلى رفع كفاءة منتسبي التعليم، بحثّهم على الاطلاع المستمر، واكتساب المعارف المختلفة في مجالهم، وفي التربية عموماً، ومواكبة التطورات، وضبط الجودة، وكذلك ضمان النوعية، وتوجيه المعلمين والتأكيد على الإيجابيات والإشادة بها إلى غير ذلك من الأهداف. جائحة كورونا كشفت أهمية اكتساب المُعلم مهارات تقنية د. فهد العرجي د. محمد المعيلي د. إبراهيم العبيد شاكر السليم