من الأمور المحيرة في مجال الأعمال، أن تجد شركتين تعملان في نفس المجال، توفرت لهما نفس فرص النجاح ويمتلكان نفس الإمكانات تقريباً من رأس مال وكوادر بشرية، لهما عدد أفرع متقاربة، وقدرة متساوية على الوصول إلى الجمهور، إلا أن إحداهما متعثرة وبالكاد تستطيع الاستمرار في السوق، بينما الأخرى ناجحة ومتألقة وفي تطور مستمر..! ولكن إذا اقتربت أكثر من كلتا الشركتين ودققت النظر في نظام عملهما، لسرعان ما تبددت تلك الحيرة وعرفت كلمة السر وراء هذا التباين، إنه التواصل المؤسسي مع الموظفين..! ففي الغالب ستجد أن الشركة الأولى -المتعثرة- تتبع نظام تواصل عقيم وغير منتج مع العاملين لديها، نظام فوقي يرسل التعليمات والأوامر من أعلى إلى أسفل دون أي تغذية راجعة من أسفل إلى أعلى، نظام يتكلم فيه الرؤساء ولا يستمعون، يبحثون عن الكفاءات ثم يقتلونها بالبيروقراطية، وفي النهاية ينسبون الفضل لأنفسهم ويتجاهلون شركاءهم الحقيقيين، الموظفين. في المقابل، ستجد الشركة الثانية -الناجحة- تعرف قيمة التواصل المؤسسي داخل الشركة وتحديداً مع العاملين لديها، وتضع استراتيجية واضحة لإدارة هذا التواصل، استراتيجية تعرف كيف تبني علاقة تبادلية بين مستويات الإدارة، علاقة قائمة على التكامل والتعاون وليس التعالي والانفصال. فمهما كانت كفاءة الكوادر البشرية التي تمتلكها الشركة الأولى، فإن نظام عملها القائم على تجاهل عملية التواصل الداخلي، سيقضي على كل هذه الكوادر، ويحولهم إلى آلات صماء لا روح فيها ولا إبداع، تأتي في الصباح لتنفذ الخطة التي فرضت عليها، ثم تغادر في نهاية الدوام دون أي إحساس بالمتعة أو الشعور بالإنجاز. على العكس من ذلك، يستطيع الاتصال المؤسسي الداخلي الناجح، تنمية مهارات الكوادر البشرية وتعظيمها حتى ولو كانت متواضعة في البداية، يستطيع تحويل الموظفين إلى أشبه ما يكونون بفنانيين، يؤدون عملهم بحب وإبداع، ورغبة في التطوير، يأتون صباحاً وكأنهم ذاهبون إلى شركتهم الخاصة ويغادرون مساء وهم يشعرون بالرضا الحقيقي عن أدائهم وكلهم شوق للعودة في اليوم التالي لاستكمال ما بدؤوه، وهذا هو الفرق. تخيل مثلاً، لو أن واحداً من أكبر الفرق الأوروبية في كرة القدم، قرر مديره الفني أن يتخلى عن التواصل مع لاعبي الفريق والاستماع إليهم وتبادل وجهات النظر في الخطط الفنية للمباريات، واكتفى بإصدار الأوامر في اتجاه واحد لتنفيذ خطته هو فقط.. فماذا ستكون النتيجة..؟ النتيجة ستكون الخروج من كل البطولات لأن الفريق لن يتمكن من إحراز أي أهداف، حتى ولو كان هذا الفريق يمتلك ميسي وكريستيانو معا..! امتلاكك لعناصر النجاح لا يعني أنك ستحوز النجاح حتماً، ولكن قدرتك على إدارة هذه العناصر بالشكل الصحيح هو الذي يضمن لك الاستمرار والتفوق.