لا نكون مبالغين إذا قلنا إن "التواصل المؤسسي" بات في عصرنا الحاضر علماً قائماً بذاته، له قواعد وضوابط، يعتمد على تجارب ونظريات، ويسعى لتحقيق نتائج واضحة يمكن التنبؤ بها. فقبل عشرات السنوات، لم يكن "التواصل المؤسسي" قد بلغ ما بلغه الآن من أهمية وتأثير في العمل الإداري سواء في القطاع العام أو الخاص، ولكن مع تشعب نظام العمل واتساع نشاط المؤسسات المختلفة وتخطيها الحدود الوطنية وظهور الشركات العابرة للقارات والمنظمات والمؤسسات التي تعمل في عشرات البلدان في وقت واحد، أخذ "التواصل المؤسسي" في التطور التدريجي حتى بات أحد أسس العمل الإداري ومقومات نجاحه. وعلى الرغم من التعريفات الكثيرة ل"التواصل المؤسسي"، إلا أنه يمكننا اختصاره في القول: إنه عملية اتصال في اتجاهين: داخلي، وهو الاتصال بين عناصر وكوادر المؤسسة "الموظفين" من أعلى إلى أسفل أو العكس، وخارجي، وهو الاتصال بين المؤسسة ككل وبين جمهورها المستهدف "المستفيدين". وطبقاً للتعريف السابق، يمكن أن نلحظ أن التواصل المؤسسي هو عملية قديمة تعرفها أغلب المؤسسات منذ بداية تشكل نمط العمل الإداري المعروف حالياً، إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة، فما كان موجوداً في الماضي لم يكن يتعدى كونه عملية منفصلة أو مرحلة واحدة منمراحل العمل الإداري، إلا أن التواصل المؤسسي في الوقت الحالي بمفهومه الشامل، بات يدخل في كل مراحل العمل المؤسسي ويشمل كافة الأعمال والمهام، ويمكن القول إنه بات عصب النشاط الإداري الناجح وسر تميزه. فلا نكاد نعثر على شركة كبرى في العالم حالياً، إلا ولديها نظام تواصل مؤسسي قوي ومتطور وفعال، وأكبر مثال على ذلك الشركات التكنولوجيا الكبرى التي تتصدر قائمة أغنى الشركات في العالم، نتيجة اعتمادها على التواصل المؤسسي في إنشاء علاقة مستدامة واستثنائية مع جمهور يزداد بشكل مستمر، جمهور يتأثر بكل شيء ويتفاعل معه سلباً وإيجاباً، ما يستوجب التعاطي مع هذا الجمهور عبر رسائل اتصالية محكمة وقادرة على كسب ثقته دائماً. ونتيجة هذا الدور الضخم الذي بات يلعبه التواصل المؤسسي في مدى نجاح العمل أو فشله، باتت الشركات تولي أهمية خاصة له قد تتجاوز في بعض الأحيان الأهمية التي توليها للمنتج أو الخدمة التي تقدمها إلى الجمهور -وهو أمر ليس إيجابياً دائماً- ما يكشف حجم تأثير التواصل المؤسسي ودوره الرئيس على طريق النجاح. إن غياب التواصل المؤسسي الناجح والمتطور عن أي مؤسسة أو منظمة، يكتب شهادة وفاة مبكرة لها، فمهما كانت جودة منتجها، ومهما كانت كفاءة كوادرها، ومهما كان حرصها على إرضاء الجمهور، فلن يكون لكل هذه العوامل قدرة على إنجاحها إن لم يكن هناك نظام تواصل مؤسسي قادر على ضبط العمل الداخلي وبناء صورة ذهنية مميزة للمؤسسة لدى لجمهورها تحافظ على علاقة ناجحة ومستدامة.