لاشك أن الزواج يعد من أهم النظم الاجتماعية ومن أخطرها شأناً في حياة الإنسان والمجتمع، إذ عرفته البشرية منذ أن كانت وفي شتى بقاع المعمورة، وأعطى للإنسان ما لم يعطه له غيره من النظم الاجتماعية الأخرى. فالزواج كان للإنسان، وفي كنفه كانت الأسرة التي منحته كل احتياجاته وأمنت وجوده. فكلمة الزواج تدل عند معظم الناس على اتحاد رجل وامرأة على أساس المودة والوئام وروح المشاعر الزوجية المتبادلة والسكينة ويستمر مدى الحياة. ويعرف علماء الاجتماع الأسري مفهوم الزواج بعدة طرق.. فمن العلماء من يعرفه «بأنه الإجراء الذي أنشأه المجتمع لتكوين الأسرة». ولاشك أن استقرار الأسرة وبناءها البناء السليم على أرضية صلبة يقومان على قواعد تربوية وسلوكية واجتماعية رشيدة، ومنها تأصيل مبدأ الحوار الأسري ونشر ثقافته المنزلية. ومعروف أن الحوار يمثل أسلوب الحياة السائدة في مجتمع الأسرة، ويشتمل على قيمه الروحية والفكرية والسلوكية والذوقية، وما يترتب عليه من إنصات جيد وتقبل واحترام للأطراف المتحاورة، ولذلك الحوار الهادئ المتزن داخل الحياة الزوجية له دور حيوي وحراك مشاعري في زيادة هرمون الاحترام المتبادل وتعزيز الثقة، وفتح نوافذ الشفافية والمصارحة، وبالتالي تحقيق الاستقرار العاطفي والاجتماعي والنفسي والوجداني في البناء الأسري، وضماناً أيضاً لجودة الحياة الزوجية. أما القاعدة الثانية: وهي «فن التغافل»؛ والتغافل يعني التظاهر بعدم الانتباه لزلات وهفوات الآخرين والحلم والعفو عن أخطائهم دون إشعارهم بارتكابهم لها، وذكر أهل العلم في خلق التغافل أقوالاً عظيمة، فقد قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -: تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل، وقال الإمام الحسن البصري - رحمه الله -: «مازال التغافل في الكرام». وإذا كان التغافل محموداً مع العدو المسيء فكيف مع الزوجة والأبناء!؟.. فهو من باب أولى، ويكفي أن من فوائد التغافل الراحة النفسية، والصحة العاطفية، واللباقة السلوكية، والسعادة الاجتماعية. فهذا السلوك الأخلاقي «التغافل أو التجاهل» يجنبك الوقوع في «مغبة» المشكلات الأسرية والخلافات الاجتماعية وخاصة الزوجية فيها..!! فما أجمل الزوجين عندما يتخلقان بهذا الخلق الرفيع فيما بينهما. أما القاعدة الثالثة لضمان جودة الحياة في الأسرة المعاصرة.. تتمثل في المحافظة على «الأسرار الزوجية»، خاصة في أول سنة من الزواج لتفصيل هذا السلوك وتأصيله في مقتبل الحياة الزوجية.. وهذه الأسرار في الحياة المنزلية قد تكون إيجابية حسنهً، أو سلبية سيئة. فالأسرار الإيجابية عندما تفشى وتذاع عند الآخرين بالذات داخل المحيط القرابي أو العائلي.. فإنها قد تولّد في نفوس بعضهم ما لا يحمد عقباه من حسد أو حقد أو كراهية، أو حتى محاولة زرع الخلافات الأسرية والمشكلات الزوجية من قبل بعض «ضعاف النفوس».!!! وهذه العواقب والمشاهد - مع الأسف - تحصل كثيراً في معظم البيوت، وبالتالي قد تصيب الحياة الزوجية بأمراض وفيروسات تهدد البناء الأسري وسلامته. إنّ الحياة الزوجية أشبه ما تكون (بالامتحان)، وهنا ينبغي على الشاب قبل الإقدام على الزواج التّأكد من القدرة والمهارة على القيام بجميع الحقوق والوجبات داخل (العش الوردي) قبل أن تتسع دائرة المسؤوليات. فما أجمل العلاقة الزوجية الهادئة والمُستقرّة، خاصة عندما تخلو من الأنانية وحب الذّات والنرجسية والإقصائية.. وتقوم على أسس المودة والتعاون والاحترام والحوار والمشاعر المتبادلة. نوافذ: جودة الحياة في بناء أسرة سعيدة..! باحث متخصص *