تسعى مختلف المؤسسات الاحترافية في العالم اليوم، إلى التركيز على بناء سمعتها المؤسسية، عبر خلق صورة ذهنية مميزة لها عند الجمهور، وهو ما ينعكس على إيجاد القبول للمنتج الذي تقدمه المؤسسة أو الخدمة التي تروج لها، أيا كان هذا المنتج أو الخدمة، سواء ماديا أو فكريا أو ثقافيا. ويعتمد بناء هذه السمعة بشكل رئيس على مدى نجاح منظومة "التواصل المؤسسي" التي تتبناها الجهة الراغبة في تشكيل صورتها الذهنية لدى الجمهور، فكلما كانت هذه المنظومة احترافية ومتطورة وقابلة للتعامل مع ردود الفعل غير المتوقعة من قبل الجمهور، كلما كانت المؤسسة قادرة على بناء سمعة جيدة وترسيخ صورة ذهنية طيبة في وجدان المستهدفين. وقد يظن البعض -بناء على ما سبق- أن بناء "السمعة المؤسسية" وخلق "الصورة الذهنية" لدى الجمهور، هي أمور تندرج تحت بند "الترف المؤسسي" الذي لا تعرفه إلا الشركات العملاقة التي تخطت مراحل الفشل ولم تعد تعرف إلا طعم النجاح الدائم والمستمر، إلا أن هذا خطأ كبير يقع فيه أصحاب المشروعات الصغيرة أو التي مازالت تخطو أولى خطواتها في مجال الأعمال، وهو خطأ قد يكلفها مستقبلها ويقضي عليها وهي لا تزال في مهدها. فلا يمكن اعتبار السمعة المؤسسية ترفا بأي حال من الأحوال، بل هي أمر يكاد يوازي في قيمته، قيمة الفكرة الأساسية للمشروع، ففي عالم أصبحت فيه الكلمة تنتقل خلال لحظات بين ملايين البشر وبكل لغات العالم، لا يمكن أن نتجاهل قيمة السمعة المؤسسية، فكلمة واحدة قد ترفع من أسهم شركة صغيرة لا يسمع بها أحد وتضعها في صدارة بورصات العالم، وكلمة أخرى قد تقضي على شركة بحجم تسلا أو أبل..! لذا فإن إدارة الصورة الذهنية باتت أمراً معقداً يحتاج دراسة وتدريبا وخوض تجارب وتعلم من أخطاء الآخرين، وقبل كل ذلك موهبة، نعم موهبة في إدارة الصورة الذهنية، فكما أن هناك أشخاصا موهوبين في صعود الجبال أو ترويض الحيوانات المفترسة، هناك أيضاً أشخاص موهوبون في إدارة الصورة الذهنية وبناء سمعة المؤسسات وتنميتها والحفاظ عليها. فالصورة الذهنية ليست خطوة يتم اتخاذها ثم ينتهي أمرها، بل هي عملية طويلة ومستمرة وباقية ما بقيت المؤسسة، حيث يتعين على مسؤولي التواصل المؤسسي رصد ومتابعة حالة الصورة الذهنية بشكل دائم وقياسها بين الحين والآخر داخلياً وخارجياً، خاصة عقب الأزمات، وتطويرها باستمرار والانتقال بها من مرحلة إلى أخرى وضمان مواكبتها لكل جديد في مجال عمل المؤسسة. فكلما استطعت بناء صورة ذهنية قوية ومتماسكة عن مؤسستك، كلما كتب لهذه المؤسسة البقاء وعرفت طريق النجاح.