إذا تأملنا في واقع الحياة وطبيعتها رأينا أنها لا تسلم من المنغصات أو الابتلاءات، وهذا قدر لازم (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) إن صفت يوما تكدرت يوما، مصائب في المال وفي العيال وفي النفس وغيرها لا يسلم منها أحد، ولو قلب المرء في صفحات حياته لوجد ذكرى من فقد حبيب أو مرض مر عليه أو مشكلة عمل أو غدر صديق أو قل غير ذلك، كل ذلك وغيره لا تخلو منه أو من بعضه صفحات حياتنا؛ لكن السؤال المهم: كيف نواجه ذلك؟ الصبر والرضا هو تحقيق ركن أصيل من أركان الإيمان: الإيمان بالقضاء والقدر، وأن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولهذا ذكر الله أنواع البلاء وذكر الموقف الحق وجزاء فاعله (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) وهذا موقف المؤمن الصادق الذي تتحول المصيبة في حقه إلى نعمة والمحنة إلى منحة راضيا بما قدر الله، مستقيما على طاعته متمسكا بالوحيين كتابا وسنة، سلامة الدين همه الشاغل وما دونه يهون ويزول ثم يبقى أثر الصبر والثبات. ثمت أمر آخر ومهم ومكمل وهو: أن ندرك أن كل بلاء لا بد زائل إذا علمنا بأن الفارج الله. يا صاحبَ الهمِّ إنَّ الهمَّ مُنْفَرِجٌ أَبْشِرْ بخيرٍ فإنَّ الفارجَ اللهُ اليأسُ يَقْطَعُ أحيانًا بصاحِبِهِ لا تَيْأسَنَّ فإنَّ الكافيَ اللهُ اللهُ يُحْدِثُ بعدَ العُسرِ مَيْسَرَةً لا تَجْزَعَنَّ فإنَّ القاسمَ اللهُ إذا بُلِيتَ فثقْ باللهِ، وارْضَ بهِ إنَّ الذي يَكْشِفُ البَلْوَى هو اللهُ واللهِ مَا لَكَ غيرُ اللهِ مِن أحدٍ فحَسْبُك اللهُ في كلٍّ لكَ اللهُ إذا حزبك أمر فافزع إلى الله وقل موقنا (لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ) وروى البخاريُّ وغيره عن أم سلمة، قالت: استيقظ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة، فقال: «سبحانَ الله، ماذا أُنزلَ الليلة من الفتن، وماذا فُتح من الخزائن، أيقظوا صواحباتِ الحُجَر، فرُبَّ كاسية في الدنيا عاريةٍ في الآخرة»، وفي رواية في البخاري: «حتى يُصلِّين»، قال ابن حجر: «وفي الحديث استحبابُ الإسراع إلى الصَّلاة عند خشية الشَّرِّ، كما قال تعالى: «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ» ، وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمرٌ فزِعَ إلى الصلاة، وأمر من رأى في منامه ما يكرهُ أن يصلِّي» هذا اللجأ للعظيم المالك الرحيم الرحمن هو الأنس في الضيق هو الراحة في الكرب فيكون المؤمن بين الأجور يتقلب حتى يلقى الله، قال : (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم. إذا أصابك الهم والكرب في دينك في مالك في ولدك في زوجك.... فافزع إلى الله بالصلاة والصبر والدعاء وقل موقنا (لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ) فمن يحول بينك وبين ربك الكريم، فقد يزول الكرب قبل نزول يديك بدعوة صادقة لمن له الحكم والأمر، (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه: لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: لن يغلب عسر يسرين. بمثل هذه المعاني مع الاستقامة والعلم والعمل والدعوة والثبات أبشر وبشر ولو ضاقت واستحكمت ف (لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ) اللهم فرجا وعزا للإسلام والمسلمين وتنفيسا لكرب المكروبين وصلاحا وفلاحا ونجاة وسعادة في الدنيا والآخرة.