كلُّ كربةٍ ستنفرج، وكلُّ همٍّ سيزول إن شاء الله مهما طال الكرب والهمّ، ولكن لا بدَّ من الصبر حتى ينفرج همٌّ ويزول كرب. يا صاحب الهمِّ إنَّ الهمَّ منفرجٌ....أبشر بخيرٍ فإنَّ الفارج الله إذا بُليت فثق بالله وارض به ...إنَّ الذي يكشف البلوى هو الله والبشرى تكون للصابرين، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ( [البقرة: 155 - 157] والحكمة من الابتلاء بالمصائب؛ لإظهار المطيع من العاصي، والجازع من الصابر، قال سعيد بن جبير رحمه الله: «كلمة الاسترجاع لم تعط لأحدٍ من الأمم سوى هذه الأمة»، فمن أصيب بمصيبةٍ أو كربٍ فاسترجع بقوله: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، وصبر، فإنَّه ينال أجر صبره واسترجاعه، ومن أصيب بمرضٍ، أو نقصٍ في مالٍ أو غلبة دينٍ، أو جوعٍ، أو موت صفيٍّ أو مُحبٍّ، أو بظلمٍ وقع عليه، أو بغيرها من مصائب ولم يتشكَّ منها، فإنَّه بذلك اتَّصف بالصبر الجميل، ويوفَّى أجره بغير حساب، قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: 10] وقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153] فالمؤمن إذا صلَّى صلاة خاشعة، فإنَّه ينسى المصائب والهموم؛ لأنَّه يطمئن في صلاته ويقرأ القرآن بتدبر، ويذكر الأدعية باستحضارٍ وإدراك لمعانيها، ويجد لذة في صلاته، والله سبحانه يحبُّ الصابرين وهو معهم، قال تعالى: (وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 146] فيا من أصبت بمصيبةٍ إيَّاك والجزع أو التسخط أو التشكي للناس، فإنَّ بعض الناس كثير التشكي من المصائب والمشكلات، لا يجلس مجلسًا إلا ذكرها، ولا يذكر نعم الله عليه وما أكثرها، فلا يحمد الله عليها ولا يشكره، وهذا خللٌ كبير، ينبغي التنبه له، وكذلك من صبر على الأذى وعفا عمَّن آذاه، فإنَّ ذلك من عزم الأمور التي لا يوفق لها إلا أهل العقول والبصيرة، قال تعالى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[الشورى: 43] فيا من أصبت بمصيبةٍ الجأ إلى الله وألحَّ في الدعاء، وأكثر من الاستغفار والتوبة، واعلم أنَّه لا مُفرِّج للكرب ولا شافي للمرض إلا الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني. ومن تأمل هذا الحديث الشريف واعتقد ما فيه اعتقادًا جازمًا، فإنَّ له أثرًا كبيرًا في الصبر والرضا بقدر الله، وإذا علم من أُصيب بمصيبةٍ بأنَّه مأجور عليها، وأنَّه كلَّما اشتدَّ به البلاء كلَّما عظم الجزاء، فإنَّ ذلك يُخفِّف عنه مصابه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ أَوِ الْمُؤْمِنَةِ، فِي جَسَدِهِ، وَفِي مَالِهِ، وَفِي وَلَدِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللهَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ» أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ» أخرجه الترمذي وحسنه الألباني. والعاقل ينظر إلى من هو أشد وأعظم منه بلاءً وكربًا، ويحمد الله أنَّ كربه أهون من كرب غيره، وكذلك يعلم أنَّ في الدنيا كربات وفي يوم القيامة كربات، ومن أراد أن يُفرِّج الله عنه كربة من كربات القيامة فليُفرِّج عن أخيه المكروب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ» أخرجه الشيخان. والموفَّق من عباد الله مَن يسعى في تفريج كربة أخيه المسلم بلا تردد، وإن لم يستطع دلَّ المستطيع عليها. ومن ثمرات تفريج الكربات: ظهور معنى من معاني السموِّ في الأخوة الإسلاميَّة؛ فالمكروب يشعر بوقوف أخيه المسلم معه، فيسود الحب، ويحصل التراحم والتعاطف والتعاون، ويصبح المجتمع قويًَّا في لُحْمته، قويًَّا في ترابطه. اللهم فرِّج كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين.