لقد تحول المشهد الإعلامي والإعلاني في شهر رمضان المبارك على مستوى البلدان العربية، إلى موسم استثنائي قد لا يوجد مثيل له في العالم كله، سواء من حيث كثافة الإنتاج وضخامة الإنفاق أو من حيث طول المدة الزمنية التي يستغرقها هذا الموسم كل عام وعدد المتابعين له الذين يتجاوزون 377 مليون نسمة. ويمكن بكل بساطة ملاحظة حجم التطور الذي شهده هذا الموسم على المستويين الإعلامي والإعلاني خلال العقدين الأخيرين، وهو ما ينبئ بتطور أكبر خلال السنوات المقبلة في ظل الطفرة الإعلامية في وسائل الاتصال وتقنيات المشاهدة والمنصات الرقمية. إلا أن ترك الموسم الرمضاني ليسير وفق رغبات وأهواء صناعه أمر ليس بالصحي دائماً، وأخشى إن استمر هذا التوسع دون ضوابط ومعايير واضحة، قد يتسبب مستقبلاً في هجرة المشاهد العربي للموسم الرمضاني ونفوره إلى محتوى بديل هو غربي بطبيعة الحال، لا يناسب ثقافتنا ولا طبيعتنا الشرقية. ما يعني أن الأمر بات يتطلب تحركاً لضبط هذا الموسم وتحقيق أكبر استفادة ممكنة منه، على مستوى الوطن العربي ككل وليس بلد بعينها، وذلك في ظل وحدة المشاهد العربي، الذي يتلقى مختلف المنتج الرمضاني أيا كانت بلد المصدر وأيا كانت جنسية أبطاله، حيث لا ينظر المشاهد المعاصر إلا للجودة والجاذبية والإبهار. ويمكن صياغة عملية ضبط هذا الموسم في شكل وثيقة عربية موحدة، يتم وضعها بواسطة القائمين على الشأن الإعلامي في مختلف البلدان العربية، تحوي ضوابط واضحة ومعايير ثابتة لما يمكن أن يعرض على الشاشات العربية خلال رمضان، لضمان عدة أمور، أولها توافق ما يعرض مع طبيعة الشهر الكريم، وثانيها ألا يطغى المحتوى الإعلاني على المحتوى الإعلامي بالشكل الذي يخرج الموسم من مضمونه، وثالثها ضمان مستوى عال من الجودة يرضي المشاهد ويجعل المحتوى العربي قادرا على المنافسة العالمية. الحق أن هناك بعض المحاولات التي قامت بها بلدان عربية لضبط المشهد الإعلامي والإعلاني خلال شهر رمضان، إلا أنها تظل محاولات فردية يصعب تعميمها دون اتفاق ومناقشات يشارك فيها جميع الأطراف المعنية من مختلف أقطار الوطن العربي. والحديث عن وثيقة عربية موحدة لضبط المشهد الإعلامي والإعلاني في رمضان، لا يعني بأي حال من الأحوال الانتقاص من حرية الإبداع الممنوحة لصناع المحتوى، والتي تشكل عاملاً أساسياً في نجاح هذا الموسم وتعد بمثابة المحرك الرئيس له، بل هي وثيقة هدفها توجيه هذه الحرية وضبطها لضمان خروجها بالشكل المأمول. في الختام، أؤكد أن الموسم الرمضاني هو كنز إعلامي نادر، إذا ما أحسنا استغلاله على الوجه الأمثل فإنه قد يكون انطلاقة لطفرة عربية ضخمة في صناعة الإعلام تضعنا في المقدمة.