مارثون فني طويل جداً، يشهده رمضان هذا العام. مسلسلات ومنوعات وبرامج وفوازير واستعراضات وسهرات وحفلات والكثير من «الأعمال الرمضانية» التي تُعد بالمئات. وهنا سؤال بطعم العتب على صنّاع الفن في العالم العربي: لماذا هذا التنافس المحموم على استغلال هذا الشهر الفضيل كسوق لكل هذه البضاعة الفنية الفاسدة؟ يبدو أن الأحداث السياسية التي تشهدها العديد من الدول العربية كسورية ومصر وليبيا وتونس والعراق ولبنان، إضافة إلى الكثير من التحولات والتغيرات الكبرى التي طالت بعض النظم والأحزاب والايدولوجيات هنا وهناك، على امتداد العالم العربي، وكل ذلك وأكثر، لم يستطع إسدال الستار على "الأعمال الرمضانية" التي تعتبر شهر رمضان الفضيل، أشبه بذروة موسمية لا يمكن التفريط بها، لأي سبب كان، حتى وإن كان قدسية هذا الشهر الكريم. إن صنّاع الفن بمختلف أشكاله ومستوياته، ينشطون قُبيل هذا الشهر المبارك، وذلك من أجل الفوز بحصة كبيرة من "كعكة" الشهر الفضيل، شهر الصيام والتقوى والمغفرة. لقد استطاعت الماكنات الإعلامية والدرامية العربية في السنوات الأخيرة أن تجعل من رمضان كرنفالاً فنياً، أشبه بالمهرجانات الدرامية والفنية والإعلامية الكبرى التي تحدث في هوليود وكان والبندقية. ما تُقدمه الفضائيات العربية الخاصة، بل والعامة أيضاً في رمضان، من جرعات كبيرة من مشاهد الرقص، والاستخدام الفج للعبارات والألفاظ البذيئة التي لم تراعِ العادات والتقاليد والأعراف العربية والإسلامية، بل وحطمت كل الأرقام القياسية في "الخروج من المألوف"، ما أصاب المشاهد العربي من المحيط إلى الخليج بشيء من الذهول والاستهجان وعدم الثقة، رغم انه - أي المشاهد العربي - يتحمل جزءاً كبيراً مما يحصل من تدهور وانحطاط في مشهدنا الفني والإعلامي، باعتباره المستهدف المباشر لهذا الإنتاج الفني الرخيص. إن الإعلام العربي ، بكل أسف، يتسبب في تشويه الكثير من تفاصيلنا الجميلة، ورمضان الفضيل من أهمها. أنا لا أعمم، ولكن أدق ناقوس خطر! بالنسبة لي، وكأي مواطن عربي بسيط، لا مفر له من هذه "الأعمال الرمضانية" التي تصافحه طيلة شهر رمضان الكريم، أحاول أن أفرز من بين كل ذلك الركام الهائل من تلك الأعمال الفنية، لأختار أهمها أو أمتعها أو أطرفها. توقفت عند أعمال فنية، وجدتها كما أظن طبعاً الأهم وسط العشرات من البرامج والمنوعات والمسلسلات الرمضانية، وهذا الاختيار الشخصي لا يُلزم أحداً بتأييد أو رفض، وسأحاول قدر الإمكان أن أورد بعض التفاصيل التي دفعتني لذلك الاختيار. الأعمال الرمضانية هي، خواطر وهو برنامج منوعات، والعرّاف وهو مسلسل درامي. طبعاً، هناك العديد من البرامج والمنوعات والمسلسلات المهمة التي تستحق المشاهدة، ولكن هذا ما سمح به وقتي، ووافق عليه مزاجي. أما برنامج خواطر في نسخته التاسعة، فانه يواصل الإبحار بنا في عالم من الدهشة والإبهار والمتعة والفائدة، حيث استطاع هذا الشاب السعودي الرائع أحمد الشقيري أن يُقدم عملاً هادفاً، بل مُحرضاً على العمل والإنجاز والتفكّر، ليُعيد الثقة من جديد للإعلام الهادف والمسؤول، وليُقدم درساً بالمجان لكل تلك البرامج التافهة التي لا تُقدم سوى الإسفاف والتهريج والابتذال. "خواطر"، برنامج مُلهم يستحق المشاهدة، بل الإعجاب والفخر. "العرّاف"، وهو المسلسل المصري الذي يطل به النجم الكوميدي المصري عادل إمام على المشاهد العربي للعام الثاني على التوالي بعد مسلسل "فرقة ناجي عطاالله" الذي كان أحد أهم المسلسلات الدرامية في رمضان الماضي. يستعرض هذا المسلسل بعض حالات الفساد في طبقة رجال الأعمال المرتبطة بالسياسيين. وكطبيعة هذا النجم الكوميدي الكبير في أغلب أعماله السينمائية والدرامية والمسرحية، يُقدم السهل الممتنع، والبعيد عن التعقيد، والذي يعتمد على البساطة وخفة الظل في طرح الفكرة مهما كانت عميقة، وهذه القدرة الهائلة أصبحت ماركة مسجلة بامتياز لهذا النجم الكبير. تلك هي وجبتي الفنية المفضلة في رمضان، وأعرف جيداً بأن لكل منا وجبته التي تتناسب مع فكره ومزاجه. وهنا لا يفوتني أن أشير لبعض المفارقات والتناقضات التي حدثت في بعض "الأعمال الرمضانية". أهمها الضجة المفتعلة وغير المبررة التي أثارها البعض حينما تم تقليد أحد نجوم الدعوة الفضائية. وتعكس هذه "الضجة" ، ضيق الأفق وعدم تقبل النقد لدى شريحة كبيرة من المجتمع، إضافة إلى رفض مستغرب لروح الدعابة والفكاهة التي نحتاجها كثيراً. أيضاً، شهد رمضان هذا العام انفصالاً بائناً بين الثنائي الأشهر في الدراما السعودية، ناصر القصبي وعبدالله السدحان، بعد سنوات طويلة من العمل معاً في المسلسل الشهير "طاش ما طاش". والغريب انهما ارتبطا في رمضان هذا العام بثنائي شهير انفصل أيضاً قبل سنوات، وهما عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج. وكالعادة، القصبي بذكائه يكسب ليتوج مشواره الفني بتقاسم البطولة مع الفنان الكويتي الشهير عبدالحسين عبدالرضا في مسلسل "ابو الملايين" الذي تتابعه الملايين على امتداد الخليج العربي، بينما السدحان والفرج في مسلسل "هذا حنا" لا يلتفت إليه أحد، رغم انه في قناتنا الاولى! مارثون فني طويل جداً، يشهده رمضان هذا العام. مسلسلات ومنوعات وبرامج وفوازير واستعراضات وسهرات وحفلات والكثير من "الأعمال الرمضانية" التي تُعد بالمئات. وهنا سؤال بطعم العتب على صنّاع الفن في العالم العربي: لماذا هذا التنافس المحموم على استغلال هذا الشهر الفضيل كسوق لكل هذه البضاعة الفنية الفاسدة؟