مضت ثلاثة ليالٍ على وجوده في حي "النسائم" حيث أضحى رداؤه بالياً، والتمت أغبرة الأرصفة على أطراف بنطاله، والحال ذاته على قميصه الذي تغير لونه. يبدو مجنوناً للناظرين، مرعباً للأطفال. لكن بائع السجائر، يؤمن بأنه عاقل، فحينما يمد بسيجارة له يسمع ترتيلاً لآيات من القرآن "إن بعد العسر يسراً" تخرج من بين تلك الشفتين الناشفة، المرهقة. تحديداً في شارع "الثلاثين"، استقر هناك، يحوم حول منزل يقوده إليه قلبه، كما لو أنه بوصلته. تشده إلى هناك.. بعض الذكريات والصحبة القديمة، كما لو أنه نسي معطفه خلف ذلك الباب، أو بقية كلمة عالقة في لسانه.. يود صعود ذلك السلّم الذي تشير عليه البوصلة، يخشى من فشله المعتاد.. يقف هناك ويسمع صوتاً، يجعل قلبه ينبض بسرعه حتى أحس بأضلعه تهتز، استرجع بعض اللحظات، حينما صعد هذا السّلم كثيراً، وتعدى حدود الباب بكثير!.. ارتجفت يداه حتى سقطت السيجارة، أسرع للصعود حتى وصل للباب، جثى على ركبتيه، بالكاد يتنفس.. رفع رأسه أخيراً، لمعت عيناه بالدموع.. نبضات قلبه بدأت تهدأ رويداً، التصقت عيناه أخيراً بغرضه الضائع، ضرب ركبتيه، يرغب بالنهوض.. وفتح يديه ليضم حاجته الهاربة، سمع صوت الطفل وهو يمسك بيد أخيه الأكبر "ها قد عاد المجنون يا أخي! اتصل بالشرطة قبل أن يهرب!" هدأت تلك النبضات الضعيفة.. حتى بدأ بالذوبان كما لو أنه شمعة.