يعكس التقرير الإطار الشامل الذي تنظر من خلاله وزارة الثقافة إلى القطاع الثقافي السعودي وعملية تطويره تشريعياً وتنظيمياً ومعرفياً، وذلك بإضافتها الأبعاد البحثية والعلمية التي تقود عملية التطوير، وتأخذها نحو آفاق عالية الجودة والكفاءة.. يعكس إصدار وزارة الثقافة النسخة الثانية من تقريرها السنوي، مدى الأهمية التي توليها الوزارة للواقع الراهن للقطاع الثقافي السعودي وضرورة دراسته ومعرفة عوامل القوة والضعف فيه، قبل الشروع في بناء صرحٍ للثقافة السعودية، وذلك في مسعى جديد لم يكن حاضراً في المشاريع الثقافية السابقة. ولئن كانت الثقافة السعودية ذات تاريخ طويل يمتد بامتداد تاريخ الوطن، إلا أنها لم تحظ بدراسات بحثية دورية تلقي الضوء على الحركة الثقافية وترصد تحولاتها أولاً بأول، مثلما يفعل الآن تقرير "الحالة الثقافية" الذي تقدمه وزارة الثقافة، والذي يحمل في طياته قيمة معرفية مهمة، تستند إلى الأرقام والأبحاث والمُسوح الميدانية التي أجرتها الوزارة بنفسها أو أجرتها جهات رسمية أخرى ذات علاقة بالثقافة. إن القطاع الثقافي السعودي وهو يعيش مرحلة تأسيسية شاملة تقودها وزارة الثقافة، يحتاج إلى نقطة انطلاق راسخة، يتضح من خلالها أين يقع القطاع الثقافي الآن، وما التحديات التي تواجهه، وما عوامل النقص التي يعاني منها، وقبل ذلك ما المقوّمات التي يمتلكها؟ وكل هذه المعطيات تعد ضرورية وأساسية لبناء سليم للثقافة التي ينشدها كل مثقفي وفناني المملكة. ومن هنا يكتسب تقرير "الحالة الثقافية" أهميته بوصفه دليلاً إرشادياً ليس فقط لوزارة الثقافة في مشروعها النهضوي الكبير، بل أيضاً لجميع الفاعلين في الصناعة الثقافية السعودية من أفراد ومؤسسات وجهات رسمية وخاصة ذات علاقة بالقطاع، حيث يوفر التقرير لهم قراءة موضوعية لواقع القطاع الثقافي السعودي بمجالاته المختلفة، متضمناً أرقاماً وإحصاءات آنية، تعكس جهداً بحثياً مميزاً. ويأتي العنوان الفرعي لتقرير عام 2020 "رقمنة الثقافة" ليؤكد آنية التقرير وتفاعله اللحظي مع تطورات المشهد الثقافي، حيث تضمنت نسخة الملخص التنفيذي للتقرير التي نشرتها وزارة الثقافة عبر موقعها الرسمي في الإنترنت، وصفاً دقيقاً للتأثيرات التي تركتها جائحة كورونا على القطاع الثقافي في مختلف مساراته الإبداعية العام الماضي، مع رصدٍ لعملية التحوّل الرقمي التي انتهجها النشاط الثقافي السعودي بتأثير من هذه الجائحة. إن تقرير "الحالة الثقافية" الذي انطلق في نسخته الأولى لعام 2019م، وفي نسخته الثانية لعام 2020، وبظهوره السنوي، وبمعلوماته الراهنة والآنية، إنما يعطي إشارة إلى مستوى جدية وزارة الثقافة في تعاملها مع مشروع النهوض بالقطاع الثقافي السعودي، إذ لم تكتفِ بالجوانب التنظيمية والتشريعية للقطاع، ولا بدعم وتمكين المبدعين السعوديين والسعوديات فحسب، بل أضافت إلى ذلك تأسيسياً منهجياً للدراسات والأبحاث الثقافية الرصينة الخاصة بدراسة الحالة، ورصد الواقع، واستجلاء حقيقته، بلغة الأرقام التي لابد منها من أجل صناعة ثقافية سعودية متطورة. ويعكس التقرير الإطار الشامل الذي تنظر من خلاله وزارة الثقافة إلى القطاع الثقافي السعودي وعملية تطويره تشريعياً وتنظيمياً ومعرفياً، وذلك بإضافتها الأبعاد البحثية والعلمية التي تقود عملية التطوير، وتأخذها نحو آفاق عالية الجودة والكفاءة. وتتجلى هذه النظرة الشاملة في تعريف الوزارة الأساسي لمفهوم الثقافة والذي قسّمت من خلاله النشاط الثقافي إلى ستة عشر قطاعاً ثقافياً، وبدأت بتطوير هذه القطاعات من خلال تأسيس 11 هيئة ثقافية مستقلة، وهذا مؤشر مهم يُفسر كيف اتجهت الوزارة إلى الجانب البحثي من خلال "تقرير الحالة الثقافية" رغم الجهد الكبير الذي يتطلبه إصدار تقرير كهذا بشكل سنوي.