تحدثنا في مقال سابق بعنوان (الرياض ومستقبل القطاع الصحي) عن مستقبل الرياض الواعد وحاجة العاصمة إلى استحداث 20 ألف سرير لتغطية النمو المتوقع في عدد السكان، وأكثر من 100 ألف وظيفة صحية ستخلقها الزيادة في عدد الأسرّة لمواكبة الخطة الاستراتيجية المستقبلية للمدينة، كما أعلن عن ذلك سمو سيدي ولي العهد -حفظه الله-، ومن المهم هنا أن نتحدث عن بعض التخصصات التي نحن بحاجة إليها اليوم، والتي ستتزايد الحاجة لها مع الزيادة السكانية الاستثنائية لمدينة الرياض في العشر سنوات القادمة، وأهمية توضيح الحاجة النوعية للخدمات الصحية بعد تحديد الاحتياج الكمي. وتشمل التخصصات التي يجب التوسع فيها باعتبارها فرصة للاستثمار، الصحة النفسية والعقلية، إذ يبلغ معدل الأطباء النفسانيين 0.02 لكل ألف نسمة في مدينة الرياض، علماً بأن المعدل العالمي هو عشرة أضعاف الرقم السابق (0.2 لكل ألف نسمة)، كما يبلغ عدد الأسرة المخصصة لمعالجة الإدمان والصحة النفسية بمدينة الرياض قرابة 700 سرير. ولكي نتعرف على العدد المستقبلي اللازم من الأسرّة لتقديم خدمات الصحة النفسة لسكان العاصمة، فإنه من المناسب هنا الإشارة الى بعض الدراسات التي ذكرت أن الحد الأدنى لذلك هو 16 سريراً لكل 100 ألف نسمة (يوجد في أمريكا 34 سريراً لكل ألف نسمة)، مما يعني حاجة الرياض إلى 2400 سرير في 2030، ومن المؤكد أن هذا الرقم يمثل تحدياً حقيقياً وفرصة استثمارية كبيرة للقطاعين العام والخاص. ولابد هنا من التذكير بأن منظمة الصحة العالمية تُوصي بأن يتم دعم مراكز الرعاية الصحية الأولية لتكون خط الدفاع الأول لتقديم خدمات الصحة النفسية لتشخيص الحالات النفسية مبكراً وتحويل بعضها إلى العيادات والمستشفيات التخصصية. ومن المشاريع الواعدة صحياً، تخصيص جزء من الأسرّة المستقبلية التي تحتاجها مدينة الرياض لدعم التأهيل والرعاية المديدة (مراكز الرعاية المديدة ومراكز رعاية المسنين، ونزل الرعاية التلطيفية)، وذلك لرفع كفاءة أسرة المستشفيات الحالية والمستقبلية واستخدامها بشكل مثالي للرعاية الحادة والحرجة، ولعل من المهم الإشارة هنا إلى أن استخدام المعدل العالمي لأسرة الرعاية المديدة المطلوب لا يعطي حقيقة الاحتياج المستقبلي لمدينة الرياض بسبب التركيبة السكانية والاجتماعية، ومن ذلك أن متوسط الأعمار لدينا أقل من الدول الأخرى، حيث إن 75 % من سكان الرياض تقل أعمارهم عن 40 عاماً، كما نجد أنه بسبب قيمنا الثقافية والدينية، فإن مجتمعنا لن يتخلى عن من يحبون إلا في أضيق نطاق، وهذا ما لا نجده في المجتمعات الغربية. ومن المهم هنا الإشارة إلى أن رؤية 2030 نجحت في خفض الحوادث الجسيمة بنسبة 52 % العام الماضي، ومع ذلك تظل الحوادث المرورية مصدراً رئيساً للإعاقات والإصابات والتي تزيد من الحاجة إلى أسرة التأهيل والرعاية المديدة، وأيضاً من المتوقع ارتفاع أعداد السكان الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً في مدينة الرياض بشكل سريع من 200 ألف إلى قرابة 450 ألف مواطن بحلول 2030. وفي دراسة أجرتها إحدى الشركات العالمية عن حاجة مدينة الرياض من أسرة التأهيل والرعاية المديدة بأنواعها مجتمعة، تبين أن المدينة بحاجة إلى نحو 2500 سرير في 2020، مما يعني تضاعف هذا العدد -تقريباً- مع الزيادة المرتقبة في عدد السكان إلى 15 مليون مواطن في 2030 حسب الاستراتيجية التي أعلن عنها سمو ولي العهد الشهر الماضي. وهناك الكثير من الفرص الصحية في مدينة الرياض التي نحن بحاجة إلى الالتفات إليها من خلال بناء مراكز ومستشفيات متخصصة لها، حيث إن العديد ممن يسافرون للخارج -على نفقة الدولة أعزها الله- لتلقي العلاج لأمراض مثل طيف التوحد (التي سنخصص مقالاً مستقلاً للحديث عنها إن شاء الله)، ومتلازمة داون وغيرهما من الأمراض، يُمكن توطين علاجها بتخصيص جزء من أسرة العاصمة المستقبلية لتلك التخصصات، مما يوفر مئات الملايين سنوياً ويدعم الاقتصاد المحلي، ويخلق الكثير من الوظائف في القطاع الصحي. أخيراً، لابد من الإشارة إلى أنه من المهم دعم الخدمات الصحية النوعية التي تقلل الحاجة إلى زيارة المستشفيات، وتخفف الضغط على أقسام الطوارئ، وذلك عن طريق التركيز على تقديم الخدمات الصحية بطرق مختلفة مثل الرعاية العاجلة، والرعاية المنزلية، والرعاية عن بعد، وكلها من ركائز برنامج التحول الوطني للقطاع الصحي. * استشاري العناية المركزة والأطفال