الأزمة الاقتصادية التي تسببت بها جائحة كورونا ولا يزال العالم يعاني من آثارها كانت بمثابة اختبار حقيقي للبنوك السعودية وقياس قدرتها على مواجهة الصدمات المالية، كنا نثق بأنها قادرة على تجاوز أي أزمة بفضل السياسات المتحفظة والرقابة الصارمة التي ينتهجها البنك المركزي السعودي مع كل الجهات التي تقع تحت مظلته، وساهم ذلك التشدد في تمكين البنوك من عبور أزمات سابقة بأقل الأضرار، وتلك النجاحات التي تحققت منحت القطاع المصرفي السعودي ثقة المستثمرين وهذه الثقة جيدة لمستقبل الاقتصاد السعودي سيما ونحن مقبلين على ثورة هائلة في عدة مجالات صناعية وتجارية وسياحية وترفيهية تتطلب الدخول في شراكات مع شركات عالمية ومستثمرين أجانب، القوائم المالية للبنوك بنهاية عام 2020 أظهرت أن هنالك نمواً غير مسبوق في الأنشطة الرئيسة، ومع أن نسبة العائد على الأصول انخفضت عن العام السابق إلا أن ارتفاع قيمة الأصول خففت من أثر ذلك التراجع، فقد حققت مصرفية الأفراد نسبة عائد على أصولها بحوالي 2.2% بينما تراجع العائد كثيراً على أصول مصرفية الشركات ولم يتجاوز 0.7% هذا بعد استبعاد مخصص انخفاض قيمة الشهرة لبنك ساب لأنها خسارة غير متكررة واستبعادها من التحليل يعطي قراءة عادلة للأرقام وفق الأوضاع الحالية، والسبب في الانخفاض الحاد في نسبة العائد يعود إلى سببين رئيسين هما انخفاض سعر السايبور إلى أقل من 1% والسبب الثاني هو زيادة المخصصات للديون المتعثرة، العائد على أصول الخزينة حوالي 2.1% انخفض متأثراً بانخفاض سعر الفائدة، أما العائد على أصول الوساطة والاستثمار فقد حقق عائداً غير مسبوق حيث تجاوزت نسبته 12.8% بسبب زيادة نشاط التداول في السوق المالية السعودية إلا أن تأثير هذا العائد على ربحية البنوك يظل محدوداً بسبب قيمة الأصول التي تقل عن 1% من إجمالي الأصول المصرفية. جودة الأصول البنكية لا شك أنها تأثرت بالأزمة الاقتصادية ولكنها تظل جيدة بالرغم من ظروف الأسواق والأنشطة التجارية ولا شك بأن البنك المركزي السعودي كان له الدور المحوري في حماية البنوك السعودية من التعرض لمخصصات عالية عندما تبنى مبادرة تأجيل دفعات الشركات الصغيرة والمتوسط بمبلغ تجاوز 77 مليار ريال وفي نهاية كل ربع يقوم بمراجعة للوضع الائتماني للشركات المقترضة ويمدد المبادرة في حالة عدم اليقين من قدرة الشركات على السداد لو تم إنهاء البرنامج، ولعل آخرها كان في الأسبوع الماضي عندما قام بتمديد فترة برنامج تأجيل الدفعات مدة ثلاثة أشهر إضافية تنتهي بنهاية الربع الثاني بتاريخ 30 يونيو 2021م؛ وكذلك تمديد فترة برنامج التمويل المضمون مدة عام إضافي حتى 14 مارس من عام 2022م؛ وهذه المبادرات لاشك أنها ساهمت كثيراً في حماية جودة الأصول البنكية التي تقوم وكالات التصنيف الائتماني بمراجعة دورية لها ومنح درجة التصنيف الائتماني للبنوك بناء على جودة الأصول ومعايير أخرى ولعل محافظة البنوك السعودية على تصنيفها الائتماني في ظل الظروف الاقتصادية القاسية يعتبر إنجازا رائعا، تحليل جودة الأصول أظهر تأثراً محدوداً حيث ارتفعت القروض المتعثرة من 27 مليارا في عام 2019 إلى حوالي 34 مليارا في عام 2020 بنسبة نمو 25% بينما ارتفعت المخصصات من 41 مليار ريال إلى 50 مليار ريال بنسبة نمو 22% ولكنها تغطي أكثر من مرة ونصف القروض المتعثرة بينما أعدمت البنوك السعودية في نهاية عام 2020 حوالي 10 مليار ريال من القروض المتعثرة وهذه من متطلبات البنك المركزي الذي يلزم البنوك بشطب أي ديون متعثرة تجاوزت 365 يوما وهذا من شأنه تنظيف القوائم المالية من الديون السيئة، نسبة القروض المتعثرة إلى التمويل ارتفعت من 1.9% في عام 2019 إلى 2.1% في عام 2020 وهذه النسبة تعتبر جيدة قياساً بالظروف الحالية وربما تصنف من أقل نسب التعثر على مستوى البنوك العالمية. أرست لجنة بازل معدلاً موحداً لكفاية رأس المال بأن وضعت حدا أدنى للعلاقة بين رأس المال بمفهوم أكثر شمولاً من ناحية وبين الأصول والالتزامات العرضية الخطرة مرجحة بأوزان من ناحية أخرى قدرها 10.5% حسب معيار بازل 3 مع إتاحة الحق لأي دولة بأن تكون أكثر تشدداً، وأصبح من المتعارف عليه أن تقييم ملاءة البنوك في مجال المعاملات الدولية يرتبط بمدى استيفائها لحدود هذا المعيار الذي انصبت على المخاطر الائتمانية كما تعني ضرورة الاهتمام بنوعية الأصول وكفاية المخصصات الواجب تكوينها، البنوك السعودية تجاوزت هذا المعيار حيث ارتفع العام السابق متوسط كفاية رأس المال الأساسي والمساند إلى 20% وهذه النسبة تعبر عن ملائة مالية قوية جداً حتى عند تطبيق معيار بازل 4 سوف تكون البنوك السعودية قد تجاوزت النسب المحددة.