تلعب مؤسسة النقد السعودي دوراً مهماً في تحصين البنوك ضد الآثار الاقتصادية التي تمر بها الدول وكذلك الحروب والتوترات الجيوسياسية، ولا أبالغ إن صنفت ساما من أفضل البنوك المركزية في العالم، فهي تنتهج سياسة قاسية في تطبيق أنظمة الرقابة والمتابعة التي لربما أزعجت الكثير من البنوك وحدت من توسيع أنشطتها وقد تتأخر في إعطاء الموافقات على المنتجات الجديدة للتأكد من سلامتها، ولكنها في نفس الوقت مكنت البنوك من مواجهة أقسى التحديات ومعالجة التعثر دون أي تأثير يُذكر على ملائتها المالية، وقد مرت أزمات اقتصادية كبيرة جداً في العالم وخرجت منها البنوك السعودية دون ضرر، كما أن ساما لا تسمح بتعيين أي تنفذي في البنوك إلا بعد دراسة متأنية لسيرته الذاتية والتأكد من صلاحيته لشغل المنصب لكي لا تكون سياساته تتنافى مع تطبيق معايير إدارة المخاطر، العلاقات الخارجية مهمة للبنوك السعودية؛ ولذا تطبق ساما معايير قوية من أجل سلامة التعاملات الخارجية مع البنوك العالمية من أي أخطاء وخصوصاً في ما يتعلق بعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتقديم معلومات كافية عن التحويلات المالية للتأكد من سلامتها من أي شبهات والتقصير في هذا الجانب قد يضع البنك في دائرة إلغاء التعامل معه وخصوصاً من جانب البنوك الأميركية ولو حصل ذلك سوف يتسبب له بصعوبات كبيرة وخصوصاً أن معظم التعاملات الخارجية تتم بعملة الدولار والتي قد تحد من أنشطة البنك الخارجية، ولأن مؤسسة النقد قد نجحت في هذا الجانب مع البنوك السعودية وشركات التحويل فقد قررت مجموعة العمل المالي (فاتف) منح المملكة مقعد عضو لديها، وتعتبر المملكة أول دولة عربية تحصل على هذه العضوية. البنوك السعودية تمتلك ملاءة مالية وجدارة ائتمانية عالية ولعل أهم المؤشرات التي تظهر ذلك معدل كفاية رأس المال الأساسي ومعدل كفاية رأس المال الأساسي والمساند والذي حققت فيه البنوك السعودية أعلى معدلات في العالم حيث تجاوزت النسب التي حددها بازل 3 بأكثر من الضعف ومازالت البنوك تواصل أداءها المميز في هذا الجانب مع خلال رفع الرسملة والاندماجات وكذلك تنويع أنشطة الاستثمار والتمويل، ولعل الاستثمار في سندات الدين الحكومية مجال استثماري جيد للبنوك حيث يصنف في معيار بازل استثماراً منعدم المخاطر، وقد أصدرت الدولة مؤخراً صكوكاً من أجل استفادة البنوك التي تعمل وفق الضوابط الشرعية من هذا الاستثمار، وتوسيع قاعدتها الاستثمارية لتفتيت المخاطر، وكذلك التوسع في التمويل العقاري الذي يحسب في معيار بازل 3 منخفض المخاطر ويقاس بمخاطر 10 % مقارنة مع التمويل في الأنشطة الأخرى التي تحسب على أساس 50 % مخاطر مرجحة. الائتمان المصرفي من أهم الأنشطة التي تعتمد عليها البنوك في توليد الأرباح وفي نفس الوقت قد يكون التوسع غير المحسوب المخاطر سبباً لتسجيل خسائر، ولذلك تتمتع البنوك السعودية بقدر كافٍ من الدراسات الائتمانية التي تبين مدى المخاطر التي قد يتعرض لها البنك من التمويل وأخذ الضمانات لمواجهة أي تعثر وتنويع التمويل على الأنشطة التجارية الأقل تقلباً وتخضع الدراسات إلى تغيير في أسلوب التعاطي مع المتغيرات الاقتصادية والجيوسياسية، ولذا قد يتفاجأ العملاء بإيقاف تمويل بعض الأنشطة بناء على المتغيرات سواء على مستوى السياسة الائتمانية للبنك أو حتى التي تفرضها ساما على جميع البنوك، وهذا الأسلوب المتغير في منح الائتمان له دور فاعل في حماية البنوك من الخسائر الائتمانية، وقد حافظت البنوك السعودية على جدارتها الائتمانية وتحقق لها ذلك بأعلى معدلات الأمان، ومع أن الخسائر الائتمانية في النصف الأول من هذا العام ارتفعت ويعزى ذلك بشكل مباشر إلى الخسائر الائتمانية الناتجة عن بنك ساب وبنك الاستثمار، والتي أثرت على كامل القطاع وشكلت الخسائر الائتمانية نسبة تُقدر بنحو 1.7 % مقارنة مع 1.5 % العام الماضي إلا أن هذه النسبة مازالت جيدة وفي النطاق الآمن، وقد تتحصل بعضاً من الديون المتعثرة في المستقبل وتخفض بموجبها المخصصات، كما أن التغطية للخسائر الائتمانية تعتبر جيدة جداً حيث إن المخصصات المجنبة تغطي 163 % من القروض المتعثرة، (مصرف الراجحي هو أقل البنوك من حيث تعثر القروض وتمثل نسبة أقل من 1 % من محفظة القروض كما أن تغطية المخصصات لديه هي الأعلى أيضاً، حيث تجاوزت نسبتها 350 % من قيمة القروض المتعثرة، ساهم في ذلك اعتماده على تمويل الأفراد الذي يغطي مخاطره تحويل الرواتب) أما البنوك التي لديها نسب تعثر تتجاوز 2.8 % فهي على التوالي بنك الاستثمار والفرنسي وساب، ولكن نسب تغطية المخصصات للقروض المتعثرة جيدة، محافظ التمويل نمت في حدود 7 % خلال النصف الأول من العام الحالي مقارنة مع نفس الفترة من العام السابق، والأهم أن الزيادة جاءت من قطاع في غاية الأهمية ومتوسط المخاطر وهو التمويل العقاري سواء للأفراد أو الشركات الذي ارتفع في نهاية الربع الثاني بنحو 22 % مقارنة مع نفس الفترة السابقة حيث تجاوز حجم التمويل 263 مليار ريال، ولذا فإن توجه البنوك إلى التمويل العقاري قد يخفض المخاطر الائتمانية حيث إن الأصل في الغالب يكون مرهوناً للبنك، وأي تعثر يستطيع البنك بيع الأصل العقاري واستيفاء حقوقه المالية.