وصل البابا فرنسيس الجمعة إلى العراق في بداية زيارة تاريخية تجري في ظل تدابير أمنية مشددة إلى «أرض معذبة منذ سنوات»، كما قال، حاملا رسالة تضامن إلى إحدى أكثر المجموعات المسيحية تجذرا في التاريخ في المنطقة. وحطت طائرة البابا (84 عاما) عند الساعة 11,00 بتوقيت غرينتش في بغداد ليباشر زيارة تستمر ثلاثة أيام يمد خلالها اليد أيضا للمسلمين من خلال لقاء مع المرجع الشيعي علي السيستاني. وتأتي الزيارة غير المسبوقة في وقت يشهد العراق ارتفاعاً كبيراً في أعداد الإصابات بفيروس كورونا تخطت السبت الخمسة آلاف في يوم واحد فيما تفرض السلطات إغلاقاً تاماً يتزامن مع الزيارة. كما تشهد البلاد توترات أمنية. وخلال الرحلة في الطائرة قال البابا الذي تلقى اللقاح ضد كورونا لصحافيين «سأحاول اتباع التوجيهات وألا أصافح الجميع لكني لا أريد أن أبقى على مسافة». وقال البابا إنه كان يشعر بأنه «في قفص» في الأشهر الأخيرة في الفاتيكان وهو «سعيد باستئناف السفر» بعد 15 شهرا من دون أي رحلة للخارج. وأكد أن هذه الرحلة «جزء من واجب على أرض معذبة منذ سنوات». وسيكتفي جزء كبير من العراقيين بمشاهدة البابا من خلال شاشة التلفزيونية. وسيستخدم البابا على الأرجح سيارة مصفحة في تنقلاته على طرق أعيد تأهيلها خصيصاً استعداداً للزيارة، بالإضافة الى مروحية وطائرة خاصة للتنقلات البعيدة سيعبر خلالها فوق مناطق لا تزال تنتشر فيها خلايا لتنظيم داعش الذي أعلنت القوات العراقية الانتصار عليها وتحرير العراق منها منذ 2017. وأكدت السلطات في بغداد أنها اتخذت كل التدابير الأمنية «برا وجوا». واستقبل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي البابا في المطار وغابت بسبب التدابير الوقائية من وباء كوفيد-19، الحشود التي اعتادت ملاقاة البابا في كل زياراته، مع استثناء خلال القداس الذي سيحييه الأحد في الهواء الطلق في أربيل في كردستان بحضور نحو أربعة آلاف شخص حجزوا أماكنهم مسبقا للمشاركة فيه، علما أن المكان يتسع لعشرين ألفا. وجرت التحضيرات على قدم وساق لاستقبال البابا خلال الأسابيع الأخيرة، من شوارع بغداد الرئيسية وصولا إلى النجف ومروراً بأور الجنوبية والبلدات المسيحية شمالا، حيث رفعت لافتات تحمل صوره مرفقة بعبارات ترحيب. وتحضيراً للزيارة، أزيلت آثار ثلاث سنوات من دمار تسبب به تنظيم داعش من مناطق كثيرة، ولكن أيضا آثار عقود من الفساد والإهمال أنهكا البنى التحتية، فعبّدت طرق، وأعيد تأهيل كنائس في مناطق نائية لم تشهد زائرا بهذه الأهمية من قبل. ومن بغداد إلى النجف وأور وأربيل والموصل وقرقوش، سيعبر مسافة 1445 كلم، في بلد لا يزال فيه الاستقرار هشاً. واستهدف هجوم صاروخي الأربعاء قاعدة عسكرية تؤوي جنودا أميركيين في غرب البلاد، كانت آخر عملية من نوعها في إطار سلسلة هجمات ضد مصالح أميركية خلال الأشهر الماضية، وعلى خلفية توتر أميركي إيراني ينعكس على أرض العراق حيث للطرفين وجود ونفوذ. وتتبنى عادة هذه الهجمات مجموعات شيعية مسلحة موالية لإيران. وأعلن أحد هذه الفصائل، «أولياء الدم»، أمس هدنة بمناسبة زيارة البابا. ويتمنى سعد الرسام، وهو مسيحي من سكان الموصل، من البابا «الذي يزورنا في وقت عصيب أن يوضح للحكومة العراقية أن الشعب في حاجة إلى تعويضات وبالأخص أهل الموصل، والكل بشكل عام، لأن الجميع تعرضوا للأذى». ووصلت نسبة الفقر في العراق خلال العام 2020، إلى 40% من السكان البالغ عددهم 40 مليونا. لقاء السيستاني تتضمن الزيارة جانبا آخر أساسياً، هو الحوار بين الأديان. وللمرة الأولى في التاريخ، يزور رأس للكنيسة الكاثوليكية مدينة النجف في جنوبالعراق حيث يلتقي بالمرجع الشيعي علي السيستاني البالغ من العمر 90 عاماً والذي لا يحبذ الظهورات العلنية. وكان البابا وقّع قبل عامين في أبو ظبي وثيقة تدعو إلى حرية المعتقد إلى جانب إمام الأزهر، أحد أبرز المرجعيات الإسلامية السنية في العالم.