فيما نهتم كثيراً بإدارة تفاصيل حياتنا اليومية، وهموم الركض في الحياة، هناك عالم موازٍ تماماً لهذا الهم، ومنه تنطلق كثير من مشاعرنا، وفيه أحياناً نلقى ملاذنا، وبعض «حالات الهروب» من زخم الخيارات، إنه عالم العلاقات الاجتماعية التي تتشابك مع حياتنا الخاصة، وتتداخل فيها بشكل كبير، ولا يمكن أن ننفصل عنها، فيما يتطلب منا إدارتها بهدوء وحكمة وسياسة تحقق لنا المكاسب العاطفية والنفسية وتبعدنا عن عراك الأفكار والتوقعات. ما نقوله ونتوقعه في حياتنا الخاصة قد لا ينبغي قوله في الجانب الاجتماعي الآخر، ونتوخى الحذر أحياناً في قوله، هذا على مستوى الكلام المنطوق ولكن هناك مشاعر لا يمكن إخفاؤها وتظهر بشكل بديهي وتفسر بشكل خاطئ ويبنى عليها توقعات مختلفة، فالتعاطف وإبداء مشاعر الخوف في سياقات مختلفة تفسر اجتماعياً بشكل مختلف بين البشر، حتى لو أبديت اهتماماً أو إنصاتاً تجاه أمر معين يبنى عليه مفهوم مختلف يفسر بعدم القدرة على الرد على الرغم أنه إنصات ليس إلا، لا يمكن الجزم على أنه عدم القدرة على بناء حوار، كذا الحال مع بقية التفاعلات والمشاعر التي أصبح البشر يخفونها بينهم حتى لا تظهر نتائج غير محببة لهم. «التفهم» حالة من الاهتمام الذي يبديه الشخص تجاه شخص يحاوره أو يتحدث إليه لغرض شخصي أو نفسي أو مهني، وهو على هذه الحال اجتماعياً مقبول وجيد، ويستمتع ويستفيد منه الأشخاص في علاقاتهم مع بعضهم البعض لكنه أحياناً يفسر على نحو خاطئ ويعتبر نوعاً من الطيبة المفرطة وعلى الرغم من أن الأخيرة لا تعتبر عيباً شخصياً لكنها تفسر اجتماعياً بنوع آخر من التفسيرات غير المقبولة والخاطئة ودلالة على ضعف في الجانب الشخصي، وهذا ما يدفعنا إلى محاولة إلغاء بعض الجوانب من شخصياتنا حينما نكون في عالم العلاقات الاجتماعية خوفاً على الصورة الذهنية وعدم تأثرها فنبدي خلاف ما نشعر به ونظهر جانباً مختلفاً من شخصياتنا أشبه ب «قناع» نتخلى عنه حينما نكون في محيط خصوصيتنا وفي عالمنا الأسري الداخلي. السؤال البديهي، هل علينا التخلي عن شخصياتنا وإنسانيتنا في محيط علاقاتنا الاجتماعية والمهنية حتى لا تفسر بشكل مختلف؟ والسؤال الأكثر إلحاحاً هل نعتبر في هذه الحالة أشخاصا صادقين مع أنفسنا حينما نتجاهل حقيقتنا ونبدي خلاف ما نبطن من مشاعر وأفكار وسلوكيات لمجرد وهم «الصورة الذهنية» التي تظهر تلقائياً في تعاملاتنا اليومية. أعتقد أن «رصانة الشخصية» تكون في وضوحها التام في كل محيط، وصدقها، وإنسانيتها وتعاطفها مع غيرها وحبها للخير، والسعي نحو كل أمر فيه منفعة للآخرين، وتقبلهم وتفهم حالاتهم، وتحدياتهم، ومساعدتهم نحو تجاوزها بحدود الإمكانات، حتى لو بالكلمة الطيبة التي تخفف أثر الصعوبات. هنا نكون حققنا ذواتنا.