تخطط المملكة لمستقبلها بعناية فائقة، وعيونها تطالع أعلى قمم التقدم والرقي، ليس في منطقة الشرق الأوسط وإنما في العالم، متسلحة بإيمان راسخ وثقة لا حدود لها بأنها تستطيع أن تختصر طريق التطور الممتد لأميال وأميال، في خطوات قليلة، وبأقل مجهود، اعتماداً على إمكاناتها المادية والبشرية «الاستثنائية»، وعلى رغبة شعب ضالته التغيير الشامل، وأهدافه العليا التطوير القائم على العلم الحديث. بالأمس القريب، يترجم سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - هذا التوجه على أرض الواقع، ويعلن عن مشروع «ذا لاين» بأهدافه الاستراتيجية، بأن تكون للمملكة حزمة من المدن الإدراكية الذكية، التي تدفع بالبلاد لأن تكون قطعة من أوروبا، ولم يشأ ولي العهد أن تكون هذه المدن تقليداً للمدن المماثلة في دول العالم الأول، فأراد لها التميز والانفراد، فأعلن سموه عن بناء هذه المدن من الصفر، بما يضمن للمملكة ريادتها الدولية أن تكون أول من يتجه لبناء مثل هذا النوع من المدن، إذ لم يسبق في تاريخ البشرية المعاصر أن تم بناء مدينة من الصفر كما يحدث هذه الأيام على أرض نيوم. لا أبالغ إذا أكدت أن القفزات التي يعلنها سمو ولي العهد تباعاً، تحت مظلة رؤية 2030 غير تقليدية، وتبعث برسالة مهمة إلى العالم أن المملكة التي قررت أن تتغير، تواصل برامجها وخططها بحسب ما هو مرسوم لها، لا يمنعها أحد، ولن يُوقف مسيرتها أي أزمة، ولو كانت بحجم جائحة كورونا التي مازالت مستمرة، فضلاً عن أن وتيرة هذا التغيير تتصاعد، وتستهدف آخر ما وصل إليه العلم، ويؤكد هذا الأمر أن «ذا لاين» يُعد أحد مشروعات الجيل المقبل من المُدن الذكية، عبر اعتماده على الذكاء الاصطناعي والاتصالات فائقة السرعة والروبوتات والتقنيات المتقدمة غير المرئية في البناء والتصميم والتفاعل مع سكانها، ما يجعله نقطة تحوّل مهمة في سبيل إنجاز مدينة المستقبل «نيوم»، التي يتابع العالم أخبارها يوماً بيوم، ليرى كيف للمملكة أن تبني مستقبلها وتعيد صياغة اقتصادها. بكثير من الذكاء والحكمة، أرى أن ولي العهد قد نجح في توضيح الأهمية القصوى للمدن الذكية، وإظهار مزاياها وفوائدها التي توفرها للمجتمعات البشرية، عندما أكد سموه حاجة المجتمعات اليوم إلى بيئات صحية ونقية، تُعفيهم من سلبيات الطبيعة وأضرارها، وتوفر لهم معيشة هادئة ومحفزة على العمل الجاد والإبداع فيه، بعيداً عن الضوضاء والتلوث ومن دون إضاعة الوقت والجهد في أشياء لا فائدة منها، بما يضمن رفاهية الإنسان وتمتعه بالصحة وطول العمر، هذا الحديث أعتبره عاملاً محفزاً للمواطن السعودي، كي ينفذ هذا المشروع على أرض الواقع بحرفيته المعهودة وخبراته المتراكمة. أعود وأكرر ما سبق أن ذكرته في مقالات سابقة، بأن شمولية أهداف رؤية 2030 ووتيرتها المتسارعة في التطوير والتحديث، بقيادة ولي العهد، الذي يفاجئنا كل فترة بمشروعات نوعية، هذه الشمولية تضمن أن تصل بالمملكة إلى مقدمة الدول المتطورة، ومشروع «ذا لاين» سيعيد صياغة الكثير من المفاهيم، ويؤسس لمجتمعات جديدة وحديثة، وبيئات نموذجية، تنعكس إيجابياً على المشهد الاجتماعي والاقتصادي للمملكة، وهذا ما تهدف إليه الرؤية وتسعى إليه، وحققت فيه حتى الآن تقدماً مبشراً بالأمل والتفاؤل.