في أعظم خفض إنتاجي شهري طوعي تعاود المملكة بمبادراتها الطوعية النبيلة غير المسبوقة لخفض إنتاجها بأكبر مما تعهدت به، ووصل الأمر لمليوني برميل يومياً لشهري فبراير ومارس، من أجل دعم الجهود الدولية في وثيقة "إعلان التعاون" لخفض الإنتاج العالمي المشترك، معلنة بذلك وقفتها المثالية والرائدة عبر عقود وما تخللها من خفض ملايين البراميل، وذلك على الرغم من شدة قسوة تداعيات الجائحة على صناعة النفط السعودية والتي تعكف على استخدامات متطورة تعظم من بيئتها الصناعية الخضراء، وقطعت شوطاً طويلاً، ضاربة المثل الذي يجب أن يكون عليه أضخم منتج ومصدر للنفط الخام في العالم من القدوة الحسنة في تسنين القوانين والتشريعات بالاتفاقات الدولية الطوعية المرنة والشفافة التي لطالما كان النفط أساسها ومحورها وبؤرة العلاقات الحسنة بين الدول. إلا أن أمر تلك الاجتماعات التي تستهدف أساسًا استعادة الاستقرار الاقتصاد العالمي، ظلت في فترات حرجة في أسوأ أحوالها، مثلما حدث في انهيار أبريل وتفكك تحالف دول "أوبك" وشركائها من خارجها، ومناشدة كبرى دول العالم ومناهضي النفط للمملكة العربية السعودية -بسابقة غير معهودة- بسرعة التدخل بصفتها القائدة الفعلية لسوق الطاقة واستقراره، ومقدرتها على انتشاله، في وقت كان العالم يحتَضَر من الانهيار وفلس شركات الصخري وغيرها من اقتصادات مرموقة مسح بها البلاط. فيما تلقى العالم إعلان صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز، وزير الطاقة، "إن المملكة العربية السعودية ستخفض إنتاجها من البترول الخام، لشهري فبراير ومارس المقبلين، بمقدار إضافي طوعي يبلغ مليون برميل يومياً". الأمر الذي سيخفض بالإنتاج السعودي الشهري لمستويات لافتة دون ثمانية براميل في اليوم. وقال سموه بنبرات الفرح والسرور الممتزجة بالتطلع لمشاركة جميع الدول: "وعليه فإن إنتاج المملكة لشهري فبراير ومارس بعد خفض الإنتاج المستهدف والطوعي سيكون 8,119 مليون برميل يومياً". وتحاول المملكة في العديد من اللقاءات، وبدءاً من تولي وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان وإعلانه بأن المملكة لن تتحمل لوحدها التخفيضات، وليس هناك منتج صغير أو كبير وجميع المنتجين سواسية من حيث التأثير في السوق، واتخاذ القرارات بتوافق الجميع من دون استثناء، مما أثر في سرعة إنجاح محاولات استعادة استقرار الأسواق، في ظل الصرامة والدقة في التنفيذ والتي تجاوزت حصصها النسبية المخصصة أكثر من 100 % في عدة أشهر. ويرى سموه بأن تسعى المملكة من خلال هذا الخفض الإضافي إلى تشجيع الدول المشاركة في اتفاق "أوبك بلس" على التقيد بخفض الإنتاج الذي التزمت به، ولتعويض زيادة إنتاجها، في سبيل دعم استقرار أسواق البترول العالمية، وشاهد العالم حينما تكاتف المنتجون وبالاتفاق الجماعي التاريخي الذي أعاد التوازن للسوق. وتعاود المملكة مرة أخرى إلى الصرامة والتشديد على حل الاتفاق في حال عدم التزام بعض الدول، وذلك من خلال الشفافية والمرونة وتقديم الدعم لكل الدول لإعانتها في الالتزام بحصصها للمحافظة على توازن العرض والطلب، وعليه فإن إنتاج المملكة لشهري فبراير ومارس بعد خفض الإنتاج المستهدف أن يتساوى العالم في حصص الخفض، وذلك من جانب احترام الالتزام بالمواثيق الدولية، والمملكة تعاود الخفض بمليونين يومياً لشهرين متتاليين دعماً للاقتصاد العالمي. وكان أكبر التخفيضات السعودية الطوعية بقدرة مليون برميل يومياً في شهر يونيو الماضي، عندما استدعى السوق ذلك ولم يكن بمقدور بعض الدول الالتزام بحصصها لظروفها الجيوسياسية، وكان حرياً بالمملكة أن تبادر بأمل تحفيز الدول الأخرى التي لديها المقدرة، وأقبلت النرويج وأميركا وكندا من بين دول أخرى ساهمت جميع وقفاتهم بتحسن اقتصادات النفط واتجاهه المتصاعد الواضح. في وقت طرحت تساؤلات حول إمكانية مساعدة تخفيضات إنتاج النفط الخام في "أوبك" على أرباح النفط الصخري الأميركي في العام 2021، في حين من المفترض أن تساعد تلك التخفيضات في نمو الصخري، وقدم قرار "أوبك" والدول الحليفة بخفض إنتاج الخام حتى مارس بمثابة دعم لشركات النفط الصخري الأميركية. وانخفض نشاط النفط والغاز في حقل النفط الصخري إيجل فورد بسبب جائحة فيروس كورونا، وفي مايو انخفض إنتاج النفط الخام الأميركي بمقدار مليوني برميل يوميًا في العام الماضي، حيث أجبر انخفاض الأسعار والطلب منتجي النفط الصخري على خفض خسائرهم، وكان المستثمرون يضغطون بالفعل على الصناعة للحد من الإنفاق وتعزيز العوائد قبل انتشار الوباء، تم قطع إنتاج الصخر الزيتي بسرعة، لكنه قد يعود بسرعة إذا استمرت الأسعار في الارتفاع. وقالت السعودية -أكبر مصدر للنفط في العالم- يوم الثلاثاء: إنها ستخفض طواعية إنتاجها بمقدار مليون برميل يوميًا في فبراير ومارس، بعد أن ضغطت روسيا لزيادة الإنتاج خوفًا من استغلال النفط الصخري الأميركي لتخفيضات المجموعة، وستزيد روسيا وكازاخستان من إنتاجهما، وستترددان في التنازل عن حصتها في السوق للولايات المتحدة. بشكل عام، كان من المقرر أن تعيد "أوبك +" 500 ألف برميل يومياً في كل من الشهرين. وكان المسؤولون السعوديون قلقين من أن الزيادات الجديدة ستفوق الطلب خلال عمليات الإغلاق الجديدة بسبب فيروس كورونا. وتجاوزت أسعار غرب تكساس الوسيط يوم الجمعة 52 دولارًا للبرميل، وبلغ سعر العقود الآجلة لمدة 12 شهرًا، والتي يستخدمها المنتجون للتخطيط للإنفاق على الآبار الجديدة، 51.37 دولارًا للبرميل، مرتفعًا من 44.63 دولارًا في بداية ديسمبر. وستنخفض أسعار النفط الخام المرتفعة مباشرةً إلى صافي أرباح المنتجين الأميركيين نظرًا لتخفيضات التكلفة الأخيرة والالتزامات بالحفاظ على الإنتاج ثابتًا، وتعهدت الشركات بالإبقاء على الإنتاج ثابتًا واستخدام أي زيادات في الأسعار لزيادة عوائد المستثمرين أو سداد الديون. وقال توماس جوردن، الرئيس التنفيذي لشركة "سيماركس إنيرجي": إن ارتفاع الأسعار في السنوات الأخيرة "يميل إلى أن يكون نوعًا من السراب". وأضاف في مؤتمر غولدمان ساكس يوم الخميس "سنكون منضبطين للغاية في تحديد الميزانية". وفي أكبر اثنين من حقول النفط الصخري في الولاياتالمتحدة، تحقق شركات النفط والغاز أرباحًا تتراوح بين 30 دولارًا للبرميل إلى 40 دولارًا للبرميل، وفقًا لشركة البيانات "ريستاد إنيرجي" التي قالت: إن ارتفاع الأسعار هذا العام قد يدفع السيولة النقدية لمجموعة النفط الصخري من العمليات بنسبة 32 ٪. أما العامل الآخر الذي سيفيد المنتجين هو انخفاض تكاليف خدمات حقول النفط، حيث خفضت الطاقة الإنتاجية الزائدة في الشركات التي تقدم خدمات التكسير الرملي الرسوم ولم تتمكن من رفعها. وقال كريس رايت -الرئيس التنفيذي لشركة خدمات الآبار، وهي ثاني أكبر شركة تكسير في أمريكا الشمالية-: "إن الهوامش مروعة على الرغم من أنها الأفضل قليلاً الآن عما كانت عليه قبل ستة أشهر، لكنها ما زالت فظيعة". وعلى الرغم من أن النشاط ما يزال مكتئبًا، نجحت خدمات الآبار في إبقاء العملاء الحاليين خلال الوباء، لكن الأسعار ما تزال منخفضة للغاية، ولم يكن من المنطقي ملاحقة عملاء جدد. وقال رايت: إن الطلب على خدمات التكسير الهيدروليكي يتحسن لكنه لا يرقى إلى المستويات التي من شأنها تعزيز إنتاج النفط الصخري الأميركي. وقالت ليندا حتين -كبيرة مديري الأبحاث في شركة "ماكنزي" الاستشارية-: إن منتجي الصخر الزيتي رفعوا ميزانيات الإنتاج تاريخياً مع ارتفاع أسعار النفط. لكنها قالت "ربما تكون هذه المرة مختلفة بعض الشيء" لأن الطلب العالمي ما يزال غير مؤكد. وقال راؤول لوبلان، نائب رئيس شركة "أي إتش إس ماركيت": إن النفط سيتعين أن يصل من 60 إلى 65 دولارًا للبرميل لاستعادة الإنتاج الأميركي بمقدار مليون برميل يوميًا مع تحسين عوائد المستثمرين. وقال مسؤولون تنفيذيون في مجال الطاقة في كولورادو وأوكلاهوما ووايومنغ وشمال نيومكسيكو في استطلاع أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي لمدينة كانساس سيتي يوم الجمعة: إن أسعار النفط يجب أن تبلغ في المتوسط 56 دولارًا للبرميل لزيادة الحفر بشكل كبير. وقال سارب أوزكان -كبير المديرين في شركة التحليلات إنفيروس-: إن الصناعة تراجعت كثيرًا في العام الماضي، لدرجة أن العمل في حقول النفط هذا العام سيعني "تخفيف التراجع بدلاً من النمو".