تنتمي رواية «صيف أحمر» للكاتب الكوستاريكي دانيال كيروس، وترجمة سعيد بوكرامي، والصادرة حديثا عن دار الخان بالكويت لأدب الجريمة، لكن الجريمة هنا ليست متخيلة، بل جريمة حقيقية، تقودنا ببراعة نحو فهم تاريخ وأصول كل الصراعات الدموية التي قوضت ولا زالت تقوض أميركا اللاتينية. حكاية جادة رويت بمهارة حاذقة، ولغة دقيقة وثرية، تستكشف أصول العنف البشري. يقول الروائي في تقديمه للرواية: «تندرج الرواية ضمن جنس الرواية البوليسية والإثارة السياسية على حد سواء، وذلك لهدفين نقديين أساسيين حاسمين: أولاً، تعتبر الرواية وسيلة لاستعادة الذاكرة التاريخية لكوستاريكا، وطرح السؤال عن حيادها المفترض في الحرب التي عارضتها، في بداية الثمانينات، للحرب الدائرة بين الساندينيستا النيكاراغويين (الذين وصلوا إلى السلطة بعد الإطاحة بدكتاتورية آخر ممثل لسلالة سوموزا، والتي حكمت البلاد تحت نير الديكتاتورية طوال عقود) وبين «الكونتراس»، أعداء الثورة الذي كانت تدعمهم وتشرف على تسليحهم الولاياتالمتحدة. ثانيًا، الرواية طريقة لمساءلة استخدام السياسات الاجتماعية - الاقتصادية القائمة على السوق الحرة، على مدى الثلاثين عامًا الماضية، والتي ساهمت من بين أمور أخرى، في تعميق عدم المساواة وزيادة الجريمة والعنف. تقدم رواية «صيف أحمر» بطلها المدعو دون تشيبي، الثوري العائد إلى كوستاريكا، محبطًا مما يراه من تداعيات فشل الثورة الساندينية في نيكاراغوا، التي آمن بها وشارك فيها. عند رجوعه إلى الوطن، عمل لبضع سنوات في المؤسسة الوطنية لمدينة سيغوروس، وهي أكبر شركة تأمين وطنية في كوستاريكا. لكنه سرعان ما سئم من الحياة الصاخبة للعاصمة سان خوسيه، وضوضائها وتلوثها، ومعدل الجريمة المتزايد باستمرار. لذلك قرر التقاعد في منطقة ريفية أكثر هدوءًا، في مقاطعة غواناكاستي، في شمال غرب البلاد، في المنطقة الحدودية مع نيكاراغوا. استقر بالقرب من تاماريندو، قرية صيد صغيرة سابقة أصبحت على مر السنين منتجعًا ساحليًا، ثم مدينة ساحلية حقيقية. كان يعتقد أنه سيجد السلام وشكلا من أشكال النسيان... تدور أحداث الرواية بشكل أساسي في قرية باراديسو الريفية الصغيرة (بمعنى الجنة!) ، في مقاطعة غواناكاستي، والمناطق المحيطة بها. تعد هذه المنطقة تاريخياً واحدة من أفقر المناطق في كوستاريكا. كانت تعيش حياة تقليدية على تربية الماشية والإنتاج الزراعي. لكنها كانت موضوعًا، في السنوات الأخيرة، لاستثمار سياحي قوي، أجنبي بشكل أساسي. وقد أدى ذلك بلا شك إلى تحقيق بعض الاستقرار والنمو الاقتصادي في المنطقة، لكنه ساهم أيضًا في تعميق التفاوتات وعزز ظهور أشكال جديدة من العنف والجريمة. ما يدفع المحقق المؤقت دون تشيبي، خلال تحقيقه في جميع أنحاء المنطقة، إلى التفكير في الجوانب الإيجابية والسلبية للسياحة الجماعية والاستثمار الأجنبي والسوق الحرة الموجهة نحو النمو الاجتماعي والاقتصادي. من خلال الماضي التاريخي، فإن هجوم لاكروز، الذي ورد ذكره على نطاق واسع في الرواية، يستند بالتالي إلى هجوم تفجيري حقيقي نُفذ العام 1984 في لابينكا وأودى بحياة سبعة أشخاص، من بينهم صحفيون كانوا مكلفين بتغطية الصراع بين الساندينيين وأعدائهم من «الكونتراس» (الثورة المضادة). كان الهجوم مدبرا ضد إدن باستورا (المعروف باسم ثائر الساندينستا ولقب باسم حربيّ «القائد صفر») ، وهو أحد زعماء الساندينستا الذي اعتبر أن الثوار قد تعرضوا للخيانة، ثم انقلب على رفاق الثورة السابقين في النضال لدرجة أنه قام بمحاربتهم بمساعدة بينة من وكالة المخابرات الأميركية المركزية. توظف رواية « صيف أحمر» كل هذه المعلومات التاريخية كقاعدة سردية وسياق تاريخي. آمل أن تجعل الرواية هذه المادة «الأصيلة» وسيلة لاستكشاف آثار التاريخ وانعكاسها على الحاضر، وطمس الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال.