قبل مدة من الزمن، كنتُ على قناعة تامة بأنني لن أغيّر أيًّا من أفكاري وقناعاتي، لكني وبعد مرور الوقت، فكرتُ واقتنعتُ أن التغيّر مبدأ عقلي (إن جاز قول ذلك)، وصيرورة من شأنها إسباغ سمة إنسانية على العقل. وقد رأينا بعض الأناس الذين تبدلت أفكارهم وآراؤهم، خاصة أولئك الذين يتعرضون للظهور كثيرًا في الإعلام ووسائل التواصل الحديثة، ممن لا يصعب جمع مقاطع فيديو لهم وقصاصات وتدوينات وهم يقولون الشيء، وبعد فترة من الزمن يقولون عكسه، ما قد جعل منهم عند كثير من المتابعين غير جديرين بالثقة، عدا أنهم باتوا بلا شك في قائمة المتناقضين! الأمر لا يحتاج إلى الذهاب بعيدًا في محاولة فهم هؤلاء وتصنيفهم. وإن كانت قد تبدلت فكرة أو قناعة أو تبدل رأي أو تصور ما، وحل آخر في مكانها، حتى لو كان معاكساً، فهذا لا يعني التناقض، لأن التناقض هو أن تؤمن بالشيء وضده في الوقت ذاته، أما أن تترك الشيء وتؤمن بضده فهو أمر مختلف، بل إنه في الحقيقة يعني أنكَ إنسان، تحمل دماغًا بإمكانه معالجة وتحليل كل ما يتم نقله إليه من معرفة، ومقارنتها مع غيرها، والوصول بها إلى إفرازات ونتائج مختلفة، بغض النظر عن أي شيء آخر. فمن غير المعقول أن يمر اليوم تلو الآخر، بكل ما فيه من تفاعلات وأشكال معرفية متنوعة، دون أن تُبدل قناعة، أو تُغيّر رأياً، أو تقلب فكرة. إن الإشكال ليس بالمتغير الذي ما هو سوى انعكاس مستمر لعملياته العقلية الدالة على اختلاف تركيب الدماغ الإنساني عن غيره، بقدر ما هو بالطريقة التي ينظر بها إلى هذا التغيّر المستمر الظاهر على الآخرين؛ بسبب هذه العملية العقلية الإنسانية، ومحاولة إضفاء طابع سلبي على هذا التغيّر، لا طابع إنساني. لا شيء يبقى على حاله، ما دام ثمة تفاعل، وقد قرأتُ في إحدى المقالات العلمية أن البشر كائنات تفاعلية، وفي مقالة أخرى قرأتُ عن تبدل خلايا الجسم بغيرها بعد انتهاء دورة حياتها المحددة، فما بال الأفكار والقناعات والتصورات والآراء، التي هي ليست إلا نتيجة تفاعلات عدة، لا يكون لها دورة حياة، كما يحدث لمعظم الأشياء. وإذا ما كنا باستمرار نردد أن دوام الحال من المحال، فلماذا نظن الثبات في الأفكار والتصورات والآراء! ولماذا نظن الآن أننا نفس الأشخاص السابقين، وأننا لم نتغير، وسنظل هكذا دائمًا!