تسببت جائحة كورونا في انكماش الاقتصاد العالمي بمعدل 4 % هذا العام، إلا أن تأثيرها على الاقتصاد السعودي جاء أقل حدة منه على اقتصادات مجموعة العشرين التي تترأسها السعودية هذا العام، رغم انخفاض الطلب على النفط الذي هوى بالأسعار. وبهذا تحدد معدلات نمو الناتج المحلي الحقيقي الوضع الاقتصادي القائم والمستقبلي لأي بلد في العالم، فارتفاعها يشير إلى زيادة العرض الكلي في الاقتصاد أو ارتفاع الطلب الكلي، فهي تستخدم للتنبؤ بمستقبل الاقتصاد الوطني، بناءً على المعطيات الحالية وبعض الافتراضات التي بتغيرها تتغير معدلات النمو مستقبلاً. فمن المتوقع أن تشهد بعض أكبر اقتصادات العالم نمواً متواضعاً في 2021 بعد اكتمال منحنى "U" نهاية هذا العام، إلا أن الاقتصاد السعودي سيشهد قفزة في نموه في 2021 وخلال رؤية 2030. وقد استطاعت السعودية التأثير على معدل النمو الاقتصادي من خلال سياسات الطلب، حيث استمرت في سياساتها المالية والنقدية التوسعية مع مراعاة التوازن بين الإنفاق والإيراد، بما لا يوسع الفجوة بينهما ويفاقم من عجز الميزانية والديون العامة. كما أنها واصلت استثماراتها في البنية التحتية والمشاريع ذات الأولوية، ودفع القطاع الخاص نحو المزيد من الأنشطة الاقتصادية وتقليص معدل البطالة. أما سياسات العرض فواصلت أداءها بزيادة الإنتاجية الاقتصادية ورفع كفاءتها، وزيادة القدرة التنافسية وكفاءة السوق، من خلال دعم وإقراض منشآت القطاع الخاص، وزيادة نسبة مساهمتها في المحتوى الوطني، والبدء في خصخصة بعض الأعمال الحكومية، وإلغاء القيود التنظيمية التي تعيق حركة الأنشطة الاقتصادية والصناعية وتدفق الاستثمارات. وقد نما الاقتصاد السعودي 2.43 % في 2018 مقارنة بانكماش طفيف 0.74 % في 2017، الذي حقق نمواً طفيفاً 0.33 % في 2019، وكان من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الحقيقي 2.3 % في 2020، بدلاً من انكماشه 3.8 % لولا تأثير جائحة كورونا، ومع ذلك سيستعيد الاقتصاد نموه تصاعدياً على النحو التالي: 3.2 %، 3.4 %، 3.5 % في 2021، 2022، 2023 على التوالي. إنها رؤية 2030 التي يجني الاقتصاد الوطني ثمارها في وقت نحن في أمس الحاجة لها، وهذا يعود إلى إدراك صانعي السياسات الاقتصادية والمالية لأهميتها في وقت مبكر، لحماية مواردنا الاقتصادية والمالية من تقلبات أسعار النفط ومخاطر المستقبل. وهكذا صمد اقتصادنا بكل مرونة في مجابهة آثار جائحة كورونا وامتصاص صدماتها، نحو المزيد من نمو الاقتصاد والإيرادات غير النفطية على المديين المتوسط والطويل، واستدامتها وتعظيم رفاه المواطن. وقريباً سيأتي اليوم الذي تتجاوز فيه الإيرادات غير النفطية، التي بلغت 315 مليار ريال في 2019، الإيرادات النفطية مع استمرار النمو الاقتصادي وتعظيم إجمالي الناتج المحلي.