رغم القوة القاهرة لجائحة كورونا الخارجة عن سيطرة بلدان العالم ومفاجأتها لاقتصاداتها، إلا أن تعامل البلدان معها لتخفيف آثارها الاقتصادية والمالية اختلفت من بلد إلى آخر، فالبلدان التي كان من المتوقع أن تكون لديها مرونة كافية للتعامل مع هذه الجائحة وجدت نفسها في مأزق كبير، مثقلة بتراكم الديون وعدم القدرة المالية على الاستمرار في دعم أنشطتها الاقتصادية مع استمرار انتشار الجائحة وظهور موجة ثانية عمقت من الأزمة، ما انعكس سلباً على معدلات النمو الاقتصادي والبطالة. وفي الوقت نفسه هناك بعض البلدان التي فاجأت العالم بمرونتها الاقتصادية والمالية وقدرتها على التعاطي مع آثار هذه الجائحة ومنها المملكة العربية السعودية. لقد تسببت الجائحة في إغلاق الاقتصاد العالمي منذ بداية الربع الثاني/2020، حيث انكمش النمو الاقتصادي الحقيقي للولايات المتحدة الأميركية أكبر اقتصاد في العالم 4.6 %، وألمانيا 5.4 %، وبريطانيا 10 %، وروسيا 7.3 %، وتراجع نمو اقتصاد الصين إلى 2.7 %، كما أوضح ذلك تقرير فيتش 07 سبتمبر 2020. ومع إغلاق الحدود العالمية وتوقف النقل الجوي، تراجع الطلب على النفط 30 % وحالياً 10 %، والذي خفض أسعار النفط بنسبة 40 % عند السعر الحالي لبرنت 42 دولاراً، رغم محاولة أوبك+ تخفيض إنتاجها وموازنة العرض مع الطلب في الأسواق العالمية. وهذا الانحدار في أسعار النفط أثر بشكل مباشر على البلدان المنتجة للنفط، بانكماش اقتصاداتها وتفاقم عجز ميزانياتها العامة. وأوضحت تقديرات وزارة المالية تحسن المؤشرات المالية العامة بأكثر من التوقعات، رغم توقع تراجع الإيرادات ب16 % إلى 770 مليار ريال في 2020 مقارنة بعام 2019، ولكن ستنمو هذه الإيرادات بمعدل 9.9 %، 2.1 %، 7.3 % في 2021، 2022، 2023 على التوالي، وتزامناً مع ذلك سينمو الإنفاق 0.8 % في 2020، ثم يبدأ في التراجع ب7.3 %، 3.5 %، 1.5 % في 2022،2021، 2023 على التوالي. وستكون نسبة العجز من الناتج المحلي الإجمالي 12 % في 2020، ثم يبدأ في التناقص إلى 5.1 %، 3%، 0.4 % في 2021، 2022، 2023 على التوالي، وكذلك الدين العام سيبلغ 34.4 %، 32.9 %، 33.4 %، 31.8 % من الناتج المحلي الإجمالي في 2020، 2022 ،2021، 2023 على التوالي. أما المؤشرات الاقتصادية فهي تسير في نفس الاتجاه نحو الأفضل، حيث سينكمش النمو الاقتصادي الحقيقي بنسبة 3.8 % في 2020 ومن ثم يستعيد نموه بمعدلات 3.2 %، 3.4 %، 3.5 % في 2021، 2022، 2023 على التوالي، تزامناً مع تراجع معدلات التضخم من 3.7 % في 2020 إلى 2.9 %، 2 %، 2 % في 2021، 2022، 2023. فإننا دائماً نتطلع إلى استعادة الاقتصاد لقواه وبمعدلات نمو تراكمية تزيد من الرفاه الاقتصادي وتقلص من معدلات البطالة وصولاً إلى مستهدفات رؤية 2030، كما أننا نتوقع تحقيق التوازن المالي بحلول 2023 مع تحسن أسعار النفط وارتفاع الإيرادات النفطية وغير النفطية.