في الوقت المناسب وبعد سنين طويلة من سياسة الخداع والمتاجرة بقضية فلسطين والمزايدة والتخوين التي انتهجتها القيادات الفلسطينية، بعد عقود من المماطلات والكذب والشعارات الفارغة جاء حديث الأمير بندر بن سلطان بخبرته السياسية، وتجربته الثرية عن قضية فلسطين. مصدر يتمتع بالثقة والمصداقية ليسرد الوقائع التي تؤيدها الأحداث والمواقف الحقيقية التي شهدها بنفسه، وشهدها آخرون مازالوا أحياءً. لم يكن حديث الأمير كلاما مرسلا إنشائيا أو خطاب شعارات وعنتريات، وإنما هو حديث حقائق يشهد على مواقف المملكة العربية السعودية الداعمة لقضية فلسطين منذ نشأتها وحتى الآن. إن أقرب وصف لحديث الأمير بندر هو أنه حديث الحقائق بعد أن انتشرت الأكاذيب والشعارات والمزايدات، تحدث عن الفرص المهدرة التي أضاعتها القيادات الفلسطينية لتحقيق مطالب الشعب الفلسطيني، تطرق إلى حقائق ومواقف يعرفها قادة فلسطين ويعرفها العالم أجمع، يعرفون جيدا أن قضية فلسطين هي محور اللقاءات بين السعودية وأميركا، يعرفون أن المملكة سعت بكل صدق وجدية لتوحيد الصف الفلسطيني وإنهاء الانقسام. يعلمون أن المملكة دافعت عن قضيتهم في المحافل الدولية وكان لها دور مؤثر في التوصل إلى حل الدولتين، لكن القيادات الفلسطينية كانت تهدر الفرص وتكتفي بالشعارات والخطابات التي لا تحقق أي شيء على أرض الواقع. في حديث الحقائق قال الأمير بندر: "ما عندنا مزايدات وشعارات نبيعها للناس، إن مشكلتنا الوحيدة كانت باستمرار هي الصبر والصمت وتحمل صفاقات الآخرين، وقد جاء الوقت الذي وجب كشف الحقائق". الحقائق التي ذكرها الأمير بندر في حديثه لقناة العربية يعرفها قادة فلسطين ولكنها مغيبة عن الشارع الفلسطيني. ورغم مواقف العداء من القيادات الفلسطينية كما اتضح بعد غزو صدام للكويت، وقصف الرياض، وهي مواقف لاتزال مستمرة بالتوجه نحو تركيا وإيران اللتين تتاجران بقضية فلسطين، رغم هذا التناقض الفاضح في مواقف القيادة الفلسطينية حين (تناضل) لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ثم تقف مع دول تحتل بلادا عربية، رغم كل ذلك ظلت القضية الفلسطينية ولاتزال قضية محورية عادلة في سياسة المملكة، وفي وجدان الشعب السعودي، حان الوقت ليعرف الشعب الفلسطيني من هو الصديق الحقيقي والداعم الحقيقي لقضيته العادلة، ومن هو الذي يريد تحرير فلسطين عن طريق احتلال ليبيا، ومن يريد تحريرها عن طريق احتلال لبنان، من الذي يطيل أمد الأزمة لأنه يتاجر بها ويستغلها للخداع، ومن الذي سعى بكل إمكاناته وثقله الدولي لتحقيق السلام العادل الشامل، أسئلة يجب أن يطرحها الشعب الفلسطيني ويبحث عن إجاباتها في ملف الحقائق الذي فتحه الأمير بندر، وليس في ملف الشعارات والمتاجرة بالقضية التي تلفظ أنفاسها الأخيرة.