تحتل قضية فلسطين مكانة راسخة في وجدان المملكة العربية السعودية حكومةً وشعباً. هذا ليس كلاماً عاطفياً لكنه تاريخ حافل بالمواقف الداعمة عسكرياً ومادياً وإنسانياً وإعلامياً منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي وحتى الآن. المزايدات حول هذه القضية يقف خلفها من يتاجرون بها ويستغلونها لأهداف خاصة بهم، وليس لمصلحة فلسطين. طريقهم إلى هذه الأهداف هو خداع الشعوب بالشعارات والمزايدات التي عطلت قيام الدولة الفلسطينية بزرع العقبات في الوصول إلى الدولة المستقلة المنشودة. أكبر هذه العقبات هي إحداث الانقسام بين الفلسطينيين أنفسهم؛ وبينما كانت المملكة تعمل بكل جدية وإخلاص على توحيد الموقف الفلسطيني كانت دول أخرى تغذي الانقسام وترفع شعارات، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، وهي لم تطلق رصاصة واحدة لا على أميركا ولا على إسرائيل. المملكة العربية السعودية بلغة الحقائق والأرقام التي يعرفها الفلسطينيون أنفسهم هي الداعم الأول لقضية فلسطين، لكن أبطال التظاهرات والشعارات الذين يقادون لمهاجمة المملكة لا يمثلون فلسطين، بل يمثلون تلك الدول والميليشيات المتاجرة بقضية فلسطين، ويريدون دوام الأزمة معلقة بدون حل لأنها مصدر رزقهم. المملكة العربية السعودية تقول بكل وضوح إنها لا تقبل بأي حل لا يوافق عليه الفلسطينيون. هذا موقف رسمي معلن لكن الذين يريدون تحرير فلسطين بالتظاهرات والشعارات ليس هدفهم التحرير، ولا يهمهم وجود علاقات رسمية بين دول عربية وإسرائيل، ومفاوضات مباشرة بين فلسطين وإسرائيل. الهدف الذي تسعى إليه الدول المتاجرة بالقضية هو الدفع بالمتظاهرين لمهاجمة المملكة؛ والمملكة واثقة من مواقفها وأكبر من أن تنزل إلى مستويات هابطة. طوال تاريخ قضية فلسطين والعرب يعانون من خطاب سياسي إنشائي عاطفي لم يحقق شيئاً من مضامينه الصارخة المبشرة بالحرية والديموقراطية والوحدة العربية. الذين يصنعون هذا الخطاب لا ينتقلون من لغة الخطاب إلى لغة العمل. خطاب يصنف قضية فلسطين قضية العرب الجوهرية ومقياساً للمشاعر والعواطف الوطنية، لكنه لا يتجاوز هذا الخطاب إلى مبادرات عملية ويكتفي بالشعارات والإسقاطات على الدول التي تدعم القضية، وتدعم القرار الذي يتفق عليه الفلسطينيون. متى يتحقق هذا الاتفاق بمعزل عن المتاجرين بالقضية والمستفيدين من استمرار الأزمة؟ هذا هو السؤال المهم الذي لن تجيب عليه التظاهرات والشعارات والانقسامات.