كنت أجلس - في طفولتي- لساعات طويلة أرسم، أكتب، وأغني، يراني والدي مبتسماً، قائلاً: استمري، ستصبحين في يوم من الأيام كما تحبين. لم تكن لدي القدرة -في تلك المرحلة العمرية- على معرفة مشاعر والدي الحقيقية، هل كان مستاءً، هل كان فخوراً بي، ولكن ما أؤكده أن ابتسامته كانت تغرس بداخلي شغفاً وأملاً، ودعماً لما أقوم به في عمر العاشرة وقبلها. اجتهدت كثيراً في مدرستي، وأثنت المعلمات على خلقي، وحصلت على تكريم الطالبة المثالية نهاية العام، وكنت في غاية الشوق لأخبر والدي، الذي قال لي مجدداً: «تستطيعين أن تكوني أفضل»، وكان بداخلي سؤال: كيف أحقق ما قاله لي والدي؟ وفي المرحلة الجامعية يكبر الحلم بداخلي، ويزداد رنين كلمات والدي في قلبي وعقلي، التي جعلتني أتخذ أصعب القرارات معتمدة على رصيد المعرفة والدعم، من العلم وبيئتي التي شكّلت شخصيتي، فاخترت ما أحب، لا ما هو مميز، فاكتشفت قدرتي على الاستماع للغير، وقدرة عقلي على استيعاب مشكلاتهم، وتحليلها العلمي، أصيب وأخطئ، وأحزن إن أخفقت في مساعدة بعضهم. عند التحاقي بالتخصص الذي كنت أحبه، أدركت كل خطوة ممكنة لحل أي مشكلة من تعريف، وخطوات، وتحديد للمشكلة، ووضع استراتيجيات حل المشكلات، وتصنيف تلك المشكلات، يمرّ الجميع وفي مختلف مراحل الحياة بالمشكلات، سواء الداخلية أم العاطفية، أو المشكلات المادية، التي قد تؤثر على المستقبل العملي للأشخاص. وأيقنت أن أول خطوة لمواجهة المشكلات، والظروف الصعبة؛ التأقلم والتكيف، وأن مواجهة الواقع الذي نعيشه، هي البداية الحقيقية للتغلب على الظروف الصعبة، ومن ثم ستتغير النظرة الموضوعية للأشياء، فلن تجد شيئاً مستحيل التحقق على أرض الواقع، ولن تجد مشكلة مستعصية الحل، بل ستنظر إلى كل مشكلة بحجمها الحقيقي، دون تهويل أو تهوين، ثم يكون القرار الصائب، والحل الناجع المستمد من الشخصية التي تعلمت، وأثراها الدعم والثقة من محيطك الضيق في بداية حياتك. إنه عالمي الصغير الذي منحنى الثقة والقدرة على الابتكار، والخروج من دائرة المألوف في التعامل مع مكونات الحياة.