عيد الأضحى المبارك الفائت ليس ككل عيد، عيد اختلطت فيه الفرحة بالدموع والبشر بالألم، تحول فرحي دمعاً فقد انقطع النفس من والدي وسلم الروح لبارئها. مات والدي الذي أحسن في تربيتنا صنعاً وعبد الإله وسعى لرضا ربه سعياً، أأحزن على رحيله؟!! نعم أحزن طبعاً، حزنت لأن والدي ورفيق دربي ومؤدبي ومربيني ومؤويني ومعطيني وراحمني وراعي شؤوني ردحاً من الزمن، قد رحل، فكيف لا أحزن؟! أحزن طبعاً. في حياته ومنذ أن كنت طفلاً لم أكتسب في وصاله قطيعةً وقطعاً، وأقول له دائماً طاعةً وسمعاً، والدي الذي كان يدفعنا الى البر والإحسان دفعاً، والدي الذي كان ينير لنا ولأخوتي الدروب شمعاً، ألا أحزن؟! أحزن طبعاً. أحببت والدي حياً وميتاً لأنه والدي ولأن مخافة الله لوالدي طبعاً، ألا أحزن؟!! أحزن طبعاً. يوم وفاته لم أذق للفرح طعماً، ولقد كنت أحاول أن أحبس دموعي منعاً، وأن أكسر جسور الحزن وهماً، وأبى الحزن أن يبتعد بعداً، خابت كل المساعي لتهدأ نفسي لأن الفراق كان صعباً!! وقد جسد والدي التراب وأصبح ذلك حقيقةً قطعاً. فما أعجب الدنيا يلهينا التكاثر وتؤينا المقابر!! بعد ما بعد والدي عن عيوني بعداً، فقدت الأب الإنسان الحنون، وأصبح قلبي يملؤه الحنين وأصبح لقلبي أنين ولنفسي شهيق وزفير ملتهب حار أهو حقاً مات أم ظنون؟! هل أصابني الجنون؟! ياعيني اسكبي الدموع ياقلباً كواه الفراق بالله يارب ألهمني صبراً. فأنت الأبقى يا الله وإليك الرجعى. ياعقلي الحيران، يانفسي الثائرة أرجوك أن تهدئي، الروح تعبت من الفراق، صوتي يدوي بحزن ووله: أين أنت ياوالدي؟! لم تعد معي لم نعد معاً لن أراك بعد اليوم أعود أردد النداء وأخذ مالك الحزين يردد ورائي ندائي أين أنت ياوالدي ظلام الوداع يؤرق منامي يعكر صفو حياتي، قلبي المتعب لم يعد يحتمل، وإذا جاء الليل يكسو غرفتي وحشة الفراق، وعندما أضع رأسي على مخدتي تعصف بي أمواج الوحشة والمشاعر الملتهبة. مع فقد والدي ذهب ربيع أيامي آهات الوداع تتسعر من شفتي على فقد أبتي. لن أرتاح حتى أموت، ها أنا ذا أركض بلا شعور يمنةً ويسرة أبحث عن ما ضاع من عمري أركض وراء سراب أفتش في الكهوف، في الأودية، في الجبال، أسائل النهر، والبحر، والشجر، والمطر، حتى البشر الكل يواجهني بصمت رهيب لم يأت سوى رد خجول من قلبي الرهيف المثقل يقول: لن يرجع الماضي! ذلك الماضي الذي طالما ضمك والدك بحنانه وعطفه ورحمته وعطائه هكذا هي الحياة. لكن الأمل بالله كبير أن يعود اللقاء بإذن الله العلي القدير العفو الرحيم في دار كرامته حيث لا موت ولا وداع.