المخ أعظم جهاز في الكون، ومن الطرق التي يتعامل بها المخ مع العالم أدوات مُساعدة، وهي طرق تفكير تُسهّل على الخ إصدار الأحكام واتخاذ القرارات، غير أنها إذا لم تُضبَط بوعيك وانتباهك فإنها تخدعك، ومن أبرزها ما يُسمّى أداة التوفُّر. أداة التوفّر تعني أنك تتخذ قرارات وأحكام بناء على المعلومات المتوفرة الحاضرة في ذهنك ولو كانت مضللة. لتعرف كيف يخدعك ذلك خذ هذا السؤال: هل تخشى الطيران؟ الكثير من الناس سيجيب "لا" حتى ولو كان لديهم بعض التوتر الطبيعي منه، ومعهم حق، لأن الطيران أأمن وسيلة سفر، لكن حتى هؤلاء ستختلف إجابتهم بعد حادث طائرة. سيرتفع التوتر لدى الأغلبية، ومن لديه خوف مستمر قد يقفز إلى مستوى الفوبيا وهو يتذكر صور ومقاطع الطائرة وما حصل لها، لكن كما بيّن العالم دانيل كانمان فإن هذا وهمٌ عظيم يقع فيه مخك بلا شعور. عندما نريد تقدير عدد شيء ما - ظاهرة أو حدثٍ ما - فإننا نبالغ في التقدير إذا كان استرجاع المعلومة سريعا كما في المثال السابق. حدثٌ كبير مثل سقوط طائرة يكتسح الأخبار فتسترجعه بسهولة ومن ثم تظن الطيران خطيراً. أحدهم كسر نافذة سيارة في الحي وسرق شيئا فترى أن الجريمة شديدة الانتشار. تشاجرت مع شخص من جنسية معينة فتعتقد أن كل أهل ذلك البلد عدوانيون. عقلك يتحيز لصالحك بسبب هذا الوهم بشكل غير معقول، لأن التجارب الشخصية أقوى وأبقى في الذاكرة مما حصل للآخرين ومن الإحصائيات، فلو قيل لك أن جرائم السرقة في حيك بالغة الانخفاض فلن يطمئنك هذا كثيرا لأن تلك الحادثة ماثلة في ذهنك، متوفرة. تسترجعها بسرعة وسهولة ثم تبالغ في تقديراتك. ما الحل إذن؟.. يمكنك مقاومة هذا النوع من التحيز بأن تسأل: هل تقديري لخطورة الطيران قائم على حالة أو اثنتين رأيتها في السنين الماضية؟، هل مبالغتي في تقدير نسبة الجريمة قائم على بضع حالات؟، هل رعبي من أن أترك أطفالي يلعبون خارجاً قائم على قصة اختطاف سمعتها منذ قديم الزمان؟.. وهكذا. الوعي بهذا الوهم سيحميك من اتخاذ أحكام وقرارات خاطئة تتعارض مع الواقع الحقيقي.