بدلاً من الاعتماد على تنبؤات الخبراء فالأفضل الاعتماد على الصيغ. هذا ما يقوله العالِم الشهير دانيل كانمان في كتابه "التفكير السريع والبطيء"، وهو من صفوة ما كُتِب عن التفكير، وهنا يخبرنا أن توقعات الخبراء للمستقبل، حتى في مجالاتهم التي تخصصوا فيها، دائماً تقريباً تخطئ، ولا تكاد تختلف عن التخمين، وقد أظهرت الدراسات أن توقعات الصيغ أصدق وأدق من توقعات الخبراء، ومن أسباب ذلك أن هناك تناقضاً بين تقدير الخبير لشيء ما، يتناقض مع نفسه خاصة عند إعطاء تنبؤ سريع لمعلومات معقدة أو كثيرة، عندما يُطلَب من الخبراء تحليل معلومات وإعطاء توقع مرة وراء مرة فإنهم كثيراً ما يعطون إجابة مختلفة في المرة الثانية. من التطبيقات الشهيرة لهذا المبدأ صيغة أنقذت حياة مئات الآلاف من الرضع، يعرف الطبيب أن الوليد الذي لا يتنفس بشكل طبيعي بعد دقائق بسيطة من الولادة في خطر من دمار المخ أو الوفاة، الأطباء والقابلات.. إلخ، اعتمدوا على عوامل مختلفة، فالبعض راقب التنفس، والبعض لاحظ متى يبدأ الرضيع في البكاء، لم يكن هناك شيء موحد. النتيجة أن الكثير من الرضع ماتوا، إلى أن أتت الدكتورة فيرجينيا أبغار فوضعت صيغة رياضية لمعرفة حال الوليد، لما سُئِلت عن التقدير السليم للوليد قالت: إنه أمر سهل، عليك أن تلاحظ 5 عوامل: ضربات القلب، التنفس، ردة الفعل، العضلات، اللون. بعدها وضعت 3 درجات لكل منها، 0 و1 و2، اعتماداً على قوة كل منها، أخذت تقيّم المواليد بعد دقيقة من ولادتهم، والوليد الذي يحصل على درجة 8 وأعلى يكون غالباً يبكي ويتحرك ووردي اللون، أما الذي يحصل على 4 وأقل يكون أزرق وضعيف النبض وقليل الحركة فيحتاج تدخلاً طبياً، لما اعتمدوا على هذه الصيغة صار لديهم شيء موحد، وعرفوا أي الأطفال في خطر، وانخفضت الوفيات، وما زال الاختبار Apgar test يستخدم إلى اليوم في غرف الولادة. قد تبقّى مسألة الكبرياء: هل ستستطيع أن تتنازل عن بعضه لصالح الدقة والصحة؟.