هل تعرف أحداً يتمسك برأي معين يخالف معظم الآراء والحقائق فقط لأنه مر عليه موقف رسّخ هذا الرأي في عقله؟ هذه النوعية من الناس مُحبطة، فقد يخشى السباحة في البحر لأنه رأى فيلم الفك المفترس وهو صغير، وسيتجاهل كل إحصائياتك التي تُظهر أن هجمات القرش على الإنسان شبه معدومة وأكثرها ليس خطراً، وربما يتجاهل خطر الاستمرار على الطعام السريع لأنه قرأ عن رجل أكل 3 مرات كل يوم من مطعم سريع عشرات السنين ولم يصبه بأس، وقس على ذلك. أنصحك ألا تجعل هذا يحبطك، لأن هذا التحيز التفكيري هو الطبيعي في طريقة تفكير العقل البشري. إن الناس لا يتأثرون أو يتعلمون من الإحصائيات والعموميات، ولو أتت من أقوى وأفضل المصادر، مثل لو قلت لشخص إن عدداً كبيراً من الناس لن يساعدوا شخصاً في موقف عسير (لأن هؤلاء الناس يظنون أن غيرهم سيهب للمساعدة) فلن يصدقك! ولكنه لو رأى موقفاً واحداً فقط لمثل ذلك فسيصدق، ومن ثم يستنتج أن الكثير من الناس سيفعلون نفس الشيء، أي يعمم فوراً. لا يرغب الناس أن يطبقوا الحقائق العامة على الحالات الفردية لكنهم فوراً يستطيعون تعميم الحالات الفردية على عامة الناس. إنه شيء يخالف البديهة، لكنه من غرائب طرف التفكير كما أتى في كتاب التفكير السريع والبطيء للعالم دانيل كانمان، والذي يستكشف تحيزات وأخطاء فطرية في التفكير. وتأتي هنا مشكلة أخرى، فحتى لو صدق الناس إحصائية أو معلومة عمومية فلن يؤثر هذا على تصرفاتهم، ولن يغير قناعاتهم القديمة أو قناعات من تجربة شخصية. مثلا أغلب الغربيين يعرفون من الإحصائيات أن كل المسلمين تقريباً أناس عاديون عدا فئة ضئيلة تظهر في الأخبار وتشوه الصورة العامة، لكن هذا لا يغير كثيراً في رأيه، لكن بمجرد احتكاك الغربي بالمسلمين - كما ترى وتسمع في يوتيوب ومن القصص الواقعية - تجدهم يغيرون قناعاتهم فوراً، بل بعضهم حتى يُسلِم بعد أن يرى عقيدة ومبادئ الإسلام عن قرب، رغم أنها معلومات متوفرة على الإنترنت وفي كل مكتبة! ولعل المثل الشهير يلخص هذا التحيز التفكيري: «ليس الخبر كالمعاينة» لم ندرك أنه صادق لهذه الدرجة!