تتراجع الكورونا مبدئياً وتدفع الكثيرين لمراجعة حساباتهم الشخصية مع الحياة عمومًا، موجة الأخضر تجتاح دول العالم، وبالذات فرنسا في انتخابات رئاسة البلديات بمختلف مدنها، الانتخابات التي أسفرت عن ظاهرة اجتياح المنتخبين الخضر أو أنصار البيئة لبقية المرشحين وذلك في مدن كبيرة مهمة مثل بوزونسون، ستراسبورغ، بوردو، جرونوبل، وليون التي نرى عمدتها الشاب المنتخب حديثًا يجول المدينة على دراجة بعيداً عن مظاهر الفخامة في مدينة مهمة صناعياً مثل ليون، ونراه يعقد اجتماعاته في مقاهيها الشعبية بكل تواضع وحيوية ونتساءل عن البرنامج الذي سيطبقه ويضم ليون لقائمة المدن الخضراء المحترمة لقوانين حماية البيئة، أيضاً العاصمة باريس أعادت انتخاب رئيسة بلديتها السابقة آن هيدالجو، والتي ولمدة خمس سنوات سابقة سعت لوضع خطوات لتقليص التلوت البيئي في مدينة حيوية كباريس، ومنها تقيلص هيمنة السيارات على قلب المدينة وحول نهرها السين، حيث أغلقت كورنيش السين وخصصته للمشاة و للتريض، وحولت بعض الطرق للمشاة فقط واقتطعت جزءاً من الشوارع الرئيسة لتحويلها لمسارات للدراجات، الأمر الذي أغضب الكثيرين من سائقي السيارات وسيارات الأجرة خاصة، إلا أن خططها للتضييق على السيارات وما تحدثه من تلوث بيئي تتوسع الآن مع النصر الساحق الذي حققته في الانتخابات الأخيرة، حيث اختار الشعب المستقبل الأخضر، وفضلوه على الركض المدمر للحياة على الأرض، حيث فازت بنسبة 53 %، من الأصوات. هذا، ولقد استغلت هيدالجو بذكاء جائحة كورونا والتباعد الاجتماعي وسمحت للمطاعم والمقاهي بالتوسع للخارج في الطرق واستغلال مواقف السيارات والدراجات النارية، بحيث سدت السبل بوجه السيارات التي لم تعد تعثر على مواقف، وتحولت دروب باريس الصغيرة لاحتفالية من الأشرعة والطاولات التي تضج بالحياة، كما أغلقت المزيد من الطرق الصغيرة بقلب باريس وخصصتها للمشاة فقط، سيدة بإرادة حديدية تعمل لتغيير وجه مدينة النور، وسنرى ذلك يتحقق تدريجياً خلال السنوات الخمس المقبلة مدة رئاستها للبلدية. الجدير بالذكر أن فرنسا تشهد أيضاً موجة من عمد البلديات من النساء، والسؤال لماذا؟ هل هي الغريزة الأنثوية «الأرض الأم» والحاجة لها لحماية الحياة ومستقبل الأجيال المقبلة؟ أيضاً تتضمن موجة الأخضر المبادرة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ ما يقارب الستة أشهر بعد موجة السترات الصفراء، حين أنصت لاقتراح الناشط البيئي الفرنسي «سيريل ديون Cyril Dion»، مخرج فيلم «غداً Demain» عن تجارب حول العالم لجماعات اخترعت مجتمعات تهدف للاكتفاء الذاتي في الإنتاج وبشروط تحترم البيئة، سيريل ديون في لقاء له مع الرئيس الفرنسي اقترح أن يشرك الشعب في وضع تصورات واختراع قوانين تلخص ما يجب اتخاذه من إجراءات لتحقيق التحول في إنتاج الطاقة وذلك بهدف الحد من التسخين الحراري المهدد لسلامة كوكب الأرض. ولقد قام الرئيس بالفعل بتبني الاقتراح وتم اختيار عينة عشوائية من 150 من المواطنين بلا تمييز، واصلت هذه اللجنة اجتماعاتها بما في ذلك خلال أزمة كورونا، وقامت بوضع 150 اقتراحاً تم تقديمها مع نهاية شهر يونيو للرئيس الذي فاجأ الجمهور بتبنيه 146 بنداً منها، وقام بتأجيل بعضها مثل تقليص السرعة على الطرق السريعة ل110كم بالساعة، ورفض الاقتراح بتغيير شعار الجمهورية الفرنسية «الحرية، المساواة، الأخوة» الذي تمت إضافة بند رابع له هو «حماية البيئة»، اقتراح اللجنة كان بتقديم «حماية البيئة» ليسبق بند «الحرية»، وهو ما تحرج الرئيس في قبوله لعدم المساس بالدستور الذي قامت عليه الجمهورية. من المعتقد بأن موجة الأخضر لم يعد بالإمكان تجاهلها، وربما الشكر في ذلك لكورونا الذي أشعر البشر بالخطر الذي قد يأتي من الطبيعة الأم التي تجرأ البشر على مواصلة استغلالها وانتهاكها. موجة كفيلة بتغيير مسار كوكب الأرض.