«كل كتاب وكل مجلد تراه هنا، له روح، روح من كتب، ومن قرأ، ومن عاش، ومن حلم بها». من كتاب «ظل الريح» لكارلوس زافون هناك حالة تسمى (هوس القراءة) وتتطور لتصبح بلومانيا أو (هوس الكتب) والتي تصل بصاحبها إلى الرغبة في اقتناء أي كتاب كان والاحتفاظ به. هذه الحالات (النفسية) تأخذ صاحبها إلى التعامل مع الكتاب بوصفه عالماً متكاملاً من الأرواح والأزمة والأمكنة والخيالات يمكن مشاهدتها والغوص فيها وتأملها بل وأحياناً كثيرة المشاركة في كل تفاصيلها. كارلوس زافون عاش هذا الواقع ثم تبناه ليصنع منه مشروع كتابة بطريقة صنعت منه أحد أهم الكتاب إن لم يكن أهمهم على الإطلاق في العصر الحديث. بدأ مشروعه من (مقبرة الكتب المنسية)، تلك المقبرة التي آلت إليها الكتب التي لم تنل حظها من الانتشار والشهرة وغابت بين الأرفف وغطاها الغبار. كانت تلك الكتب تحمل بين طياتها الكثير من الظلال لشخصيات وأزمنة وأماكن تنثر سحرها الخاص الذي يقود (دانيال) إلى تأمل كل ذلك باحثاً عن حقيقة مغيبة هي في الحقيقة ماهية القراءة وجوهرها الثمين. أخبر والد دانيال ابنه بسر ذلك المكان وأنه يمثل إرثاً عائلياً فريداً وأخبره أنه يجب عليه أن يختار كتاباً ليكون وصياً عليه. يقع اختيار دانيال على كتاب ظل الريح (أول سلسلة كتب المقبرة المنسية) والذي يأخذه إلى عالمه ويغوص في عالم السرد الذي يبدأ من رحلة بحث رجل عن والده الحقيقي إلى البحث عن طفولته وشبابه حتى يظهر له ظلال حب مفقود يطارده حتى موته. يستمر في القراءة ليشعر أن الحكاية تتشظى الى ألف حكاية، وكأن القصة تأخذه عبر أبواب تقوده إلى عوالم مختلفة لكن البناء واحد وكأنه يدور في عالم كبير له الكثير من الطرق والأبواب ولكنه يحافظ على وحدة بنائه بشكل هندسي جميل متناسق. تأسره تلك الحكاية ليبحث عن جميع الكتب التي كتبها كاتب ظل الريح خوليان كراكس ليكتشف بعد ذلك أن هناك رجل ما يحرق كل أعماله ومخطوطاته منذ سنوات طويلة لاعتقاده أن كراكس هو مصدر الشر، ومع مرور الوقت يكتشف دانييل أن من يحرق هذه الكتب هو الكاتب نفسه.. هذه المفاجأة تمثل حالة من الحالات النفسية التي تنتاب قارئا أو كاتبا نحو عمل أو أعمال معينة، وتناسب هذه النهاية فلسفة زافون نحو الكتب والتي تصنع ذلك العالم بكل تجلياته وآلامه أيضاً. كارلوس زافون أكمل سلسلة مقبرة الكتب المنسية لتشمل «ظل الريح 2002»، «لعبة الملاك - 2008»، «سجين السماء - 2011»، «متاهة الأرواح - 2016» والتي قدمته للعالم أجمع وتمت ترجمتها لأكثر من ثلاثين لغة. القراءة لكارلوس زافون أو الكتابة عنه كلها تقود إلى عالم القراءة والكتب وتسافر بالعقل والخيال إلى رؤية ما وراء الكلمات المكتوبة وما في داخل أعماق الشخصيات وما تحوي الأمكنة من تفاصيل وما تمثله الأزمنة في تكوين الحكايات، وهذا هو سر عظمة وتميز كارلوس زافون وأحقيته في الاحتفاء به حياً وميتاً.