مع دخول قانون العقوبات «قيصر» حيز التنفيذ يوم الأربعاء الماضي، انخفضت العملة السورية بنسبة 70 بالمئة، ما يعتبر أكبر انهيار شهدته عملة في الشرق الأوسط منذ عقود حيث يواجه أكثر من نصف السوريين نقصا شديدا في المواد الغذائية في ظل انهيار اقتصادي يؤرقهم ويضعهم أمام مستقبل غامض دون أي بصيص أمل في الأفق. ويهدف التشريع الأميركي المعروف باسم «قيصر» والذي يحاول الكونغرس تمريره منذ عهد الرئيس السابق أوباما، إلى شل قدرة الأسد وداعميه على الاستمرار بالحكم وشن أي عمليات عسكرية، فسورية الواقعة تحت وطأة العقوبات الأميركية منذ مطلع التسعينات وفي عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، لم تشهد عقوبات بحجم «قيصر» التي تمتد لتسحق معها القدرات المالية لحزب الله وإيران ومحاولاتهم لإنقاذ بشار الأسد أو الاستفادة من نشاطاتهم داخل سورية. وأخذ قانون "قيصر" اسمه من الاسم المستعار لمصور عسكري قام بتهريب 55000 صورة من النظام السوري تظهر صنوف التعذيب الوحشية في سجون الأسد، ليستهدف القانون أسماء بعينها من عائلة الأسد والطبقة الاقتصادية الثرية المحيطة بالنظام بالإضافة إلى المنافذ المصرفية والشركات الاقتصادية والسياسية المتعاملة مع الأسد، مع آلية تمكن الولاياتالمتحدة من فرض عقوبات ضد أي كيان سيدعم الأسد اقتصادياً أو سياسياً. ويقول المحلل الأميركي ديفيد اديسناك لجريدة الرياض أن إدارة الرئيس ترمب تبدو مصممة على كبح نهائي لقدرات إيران وحلفائها ومحاولاتهم للهيمنة في الشرق الأوسط، فنرى استمرارا في تطبيقات سياسات «الصقور» ضد إيران في إدارة ترمب. مضيفاً؛ هذه العقوبات المشددة التي تستهدف نظام الأسد وإن جاءت في وقت متأخر، إلا أنها قادرة على حرمان الأسد من ارتكاب الفظائع كما أنها تمتد لتحرم كل الحلف المتعامل مع إيران من موارد إذكاء الحروب في المنطقة. ويوضح اديسناك، «الأنظمة والميليشيات المتعاملة مع إيران تحاول الاستفادة من علاقاتها المتداخلة، فبعض البضائع السورية كان يتم تصديرها بعد تغيير بلد المنشأ من سورية إلى لبنان لتتجاوز هذه السلع العقوبات ويتم بيعها وبالتالي يستفيد النظام من عائدها، أما اليوم بالعقوبات الأكثر تعقيداً وتشعباً من قدرة حلفاء محور إيران على التلاعب والالتفاف على العقوبات، وشدة العقوبات الممنهجة التي نراها تستهدف النظام السوري هي بسبب إدراك الولاياتالمتحدة أن سورية كانت ميدانا اقتصاديا مهما لطالما استغلته إيران وحلفائها.» وبينما تضرب تداعيات «قيصر» المتعاملون مع النظام السوري، حذّر مصرفيون لبنانيون من خطورة تداعيات «قيصر» على بلادهم وذلك لأن كبرى البنوك اللبنانية تتعامل مع نظام الأسد وبالتالي بدأت تصلها إشعارات بعقوبات مرتقبة ستطالها ما ينبئ بانهيار كبير سيمس الاقتصاد اللبناني الذي سيقع تحت وطأة العقوبات الأميركية بسبب تداخل اقتصاده وتعاملاته مع النظام السوري. وأبلغ جيمس جيفري، المبعوث الأميركي إلى سورية الصحفيين في واشنطن بأن تدهور العملة السورية وتداعي الاقتصاد اللبناني هو نتيجة للعقوبات التي تهدف إلى منع تعويم النظام السوري، وهذا الانهيار دليل أيضاً على أن الولاياتالمتحدة تمكنت من تعطيل قدرة روسياوإيران على تعويم النظام السوري وفقدان قدرة المقربين من النظام على غسل أموالهم في البنوك اللبنانية. وهبطت العملة الإيرانية يوم الخميس إلى مستويات قياسية مقابل الدولار مرة أخرى، لتفقد 20 بالمئة من قيمتها التي كانت عليها قبل أسابيع فقط. من جانبه يقول نيكولاس جرينستيد من معهد «الشرق الأوسط» في واشنطن أن عقوبات «قيصر» تقضي على آخر أمل لروسيا لإعادة تعويم النظام السوري والاستفادة من وجودها في سورية لجني أرباح من أموال إعادة الإعمار، فعقوبات «قيصر» تعني أن النظام السوري سيكون منهارا اقتصاديا لأجل غير محدود إلا إذا اقتنعت روسيا بتنحية الأسد وتغيير النظام وجلب نظام آخر يلبي مصالحها ويقنع أميركا في نفس الوقت برفع العقوبات.