تجارة الدول مع بعضها البعض تُعد حجر أساس لتنويع وتعظيم اقتصاداتها الوطنية. وفقاً للمصادر الدولية كانت الصين أكثر الدول تصديراً للسلع عام 2018م بما يعادل (2.5 تريليون دولار) تلتها الولاياتالمتحدة بحوالي (1.7 تريليون دولار) ثم ألمانيا بما يقارب (1.5 تريليون دولار)، بينما كانت الولاياتالمتحدة أكثر دول العالم استيراداً (2.6 تريليون دولار) تلتها الصين (2.1 تريليون دولار) ثم ألمانيا (1.2 تريليون دولار). من الواضح جداً أن الميزان التجاري للولايات المتحدة -وتحديداً مع الصين- في عجز كبير إن لم يكُن مأزقاً اقتصادياً، والصين تستمتع بفائض كبير في ميزانها التجاري يُمكنها من تنويع ونشر استثماراتها في شتى دول العالم. أرى أن التجارة الخارجية مشتملةً تنمية صادرات وواردات السلع والخدمات وكذلك إعادة التصدير -دون إضرار بالصناعة الوطنية- يجب أن يحمل تناغماً وتناسقاً بين ركيزتين أساسيتين. فالركيزة الأولى داخلية، تتعلق بمجموعة من الجوانب داخل حدود الدول، أما الركيزة الثانية فهي خارجية وتشمل علاقات الدولة التجارية الثنائية ومتعددة الأطراف. إن الركيزة الداخلية تشمل النواحي التشريعية والتنظيمية للبيئة التجارية والاستثمارية ومدى تقدمها وتطورها، فالجوانب التشريعية والتنظيمية من أهم وأصعب الجوانب في الركيزة الداخلية حيث يصعب قياس أثرها بشكل سريع ومباشر، ويلزم أن يصحبها حوكمة فّعالة ومزيد من الاستقرار. كما تتضمن الركيزة الداخلية الجوانب الإجرائية واللوجستية -هنا يلزم أن تكون أجهزة الدولة دائماً مواكبةً للتطور والتسارع الزمني- ومن هذه الجوانب تقليل الوثائق غير الضرورية، وأتمتة الإجراءات وإعادة هندسة بعضها، كذلك خفض تكاليف التصدير والاستيراد (مقارنة بالدول المجاورة)، وتوفير المعلومات للمستثمرين وزيادة الشفافية فيها. علاوة على ذلك، لا ننسى أهمية إشراك القطاع الخاص في صناعة القرار، ورفع مستوى التعاون والتنسيق بين الأجهزة المعنية داخل الدولة. أما الركيزة الخارجية، فتتمحور حول مدى لعب دور مؤثر وفعّال في المنظمات الدولية متعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية World Trade Organization ومجموعة عمل التجارة والاستثمار في مجموعة العشرين Trade and Investment Working Group ومؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والاستثمار UNCTAD والاتحاد الجمركي وغيرهم، كذلك المساهمة في فهم وصياغة سياسات وتشريعات التجارة والاستثمار العالميين بما يخدم مصالح الدولة الاقتصادية. كما تشمل هذه الركيزة أيضاً، على تعظيم الاستفادة من الاتفاقيات الثنائية مثل اتفاقيات التجارة الحرة Free Trade Agreements واللجان الحكومية المشتركة ومجالس الأعمال مع الدول، وغير ذلك من نماذج العلاقات الثنائية. كما تشمل هذه الركيزة رفع مستوى التعاون والتفاعل والتنسيق للأجهزة المعنّية في دولة ما مع نظيراتها في الدول الأخرى. لا شك أن هاتين الركيزتين بحاجة إلى عدد من عوامل التمكين، ومنها زيادة التنسيق والتناغم بين أجهزة الدولة والقطاع الخاص، واستقطاب وتطوير الكفاءات الوطنية والمحافظة عليهم، وعدم الاتكالية والاعتمادية على غير أبناء الوطن في رسم السياسات ووضع التشريعات والمفاوضات. كما يلزم رفع مستوى السرية والاحترازية لهذه السياسات والتشريعات والمفاوضات والمحافظة عليها لما تتضمنه من مصالح وطنية. وأخيراً، يلزم معالجة تداخل بعض الصلاحيات والمهام والاختصاصات بين بعض أجهزة الدولة.