مضى ما يزيد على ثلاثة أشهر منذ بدء المملكة اتخاذ الإجراءات الاحترازية الصحية لمواجهة تفشي جائحة كورونا، وبلغت ذروة أعداد المصابين بعدوى هذا الوباء حالياً أكثر من واحد وتسعين ألف حالة إصابة، أي بمتوسط يزيد قليلاً على ألف حالة عدوى بالوباء يومياً. وقد أصبح مقلقاً الارتداد في أعداد الحالات اليومية التي سجلت إصابتها بالوباء خلال الفترة التي تلت البدء في المرحلة الأولى من مراحل العودة الطبيعية للحياة، لا سيما ما صاحب ذلك من زيادة في عدد الوفيات والحالات الحرجة، حيث بدا ذلك الارتداد ينبئ عن خوف من أن يفضي بنا إلى السيناريو الأسوأ، وهو أن تصل أعداد الإصابة بالوباء إلى المئتي ألف حالة أو أكثر - لا قدر الله - في غضون ما يزيد قليلاً على ثلاثة أشهر من الآن، إن استمر معدل الإصابات اليومية على هذا النحو. إن الجميع متفق على أن المواطنين والمقيمين مشاركون أساسيون في مسؤولية العبور الآمن تجاه العودة للحياة الطبيعية، إلا أن هناك عوامل أخرى تضاف إلى ما نوليه من أهمية نحو التزامهم بالسلوكيات الصحية السليمة، ألا وهي إحاطتهم ببؤر تفشي الوباء داخل المدن، وأخص منها المدن الكبرى وهي الرياضوجده ومكة المكرمة والمدينة المنورة وحاضرة الدمام التي سجلت فيها الغالبية العظمى مما رصد من حالات إصابة بالوباء. مع التركيز هنا على البعدين المكاني والوظيفي لبؤر تفشي العدوى، حيث لاحظنا فيما يخص البعد المكاني كيف وفقنا في خفض نسبة الإصابة بالوباء بين غير السعوديين من (85 %) في بداية تفشي الجائحة لتصل اليوم إلى (55 %) وذلك بمجرد رصد وتحديد الأحياء التي توجد بها كثافة سكانية من العمالة الوافدة الأفراد ومعالجة أوضاعهم السكنية. في حين أن البعد الوظيفي وأعني به الأنشطة الوظيفية بشتى أنواعها في مدن المملكة التي يتضح من عمليات التقصي أنها تمثل نقاط التقاء تنتقل عبره نسبة عالية من حالات العدوى لا يأخذ نصيبه في الرسائل التوعوية، وأخشى في المعالجة أيضاً، وإنما يكتفى بالتعبير عن أسباب الزيادة في معدلات الإصابة بعبارة عامة وهي أنها نتيجة (المخالطة المجتمعية) دون ذكر المحيط الوظيفي الذي تمت فيه النسبة الأكبر من تلك (المخالطة المجتمعية)، هل هي داخل النشاط السكني في التجمعات الأسرية بالبيوت، أو الترفيهي بالاستراحات، أو النشاط التجاري في الأسواق، أو عبر موظفي توصيل الطلبات، أو من خلال فنيي الصيانة المنزلية، أو خلاف ذلك. إن رصد وتحديد بؤر تفشي الوباء المكانية والوظيفية في مدن المملكة والتوعية بها تمثل عناصر وعوامل مهمة في مواجهة هذه الجائحة.