تختلف النظم الاجتماعية من بلد إلى آخر؛ حيث تغلب الصبغة الفردية على بعض المجتمعات التي يكون فيها الأفراد محور التنظيم الاجتماعي، ومصالحهم دائمًا ما تقدم على مصالح الجماعة، بينما البعض الآخر من المجتمعات تغلب عليها الصفة الجمعية؛ أي أنها تعمل على تقديم مصلحة الجماعة التي تحكم اتجاهات الأفراد وتصرفاتهم، ومن تلك المجتمعات هو مجتمعنا السعودي، الذي عادة ما نرتبط فيه بالأسرة والقبيلة والمنطقة والعادات وغيرها، ولكن نتيجة للوضع الذي نمر به تحتم علينا الانتقال من النظام الاجتماعي الجمعي إلى الفردي سريعًا جدًا، هذا الانتقال عادة ما يحتاج إلى سنوات وسنوات اختصرت في فترة وجيزة نتيجة للظروف. ولا يعني ذلك أننا بتنا مجتمعًا فرديًا، وإنما تبنينا بعض مفاهيم ذلك النظام الذي يعزل فيه الأفراد عن الجماعة ويتصرف كل فرد منهم على أنه كيان مستقل. هذا التحول في نمط التفكير سيغير كثيرًا من المفاهيم السائدة لدينا، فلن نكون بعد هذه الأزمة كما كنا قبلها إطلاقًا. ولست هنا أدعو إلى الانفكاك عن الجماعة والتحرر منها بشكل كامل؛ لأن مثل هذا الطرح غير منطقي ولا يعود بفائدة، ولكن قد تكون هذه نقطة التحول، وفرصتنا المناسبة التي دعا وما زال يدعو لها الكثير في محاولة تجاوز عدد من المظاهر السلبية التي ارتبطت بمجتمعنا نتيجة للتفكير الجمعي الضاغط والقضاء على مبدأ "وش تقول عنا الناس؟"، الذي ترسخ سنوات، وحكم عددًا من تصرفاتنا رغم اقتناعنا التام بعدم جدواه، والأمثلة على ذلك كثيرة لا تخفى عليكم. إن هذه الأزمة أظهرت قدرتنا على التكيف، وأنه ليس من الصعب أو المستحيل القضاء على بعض المظاهر مع محافظتنا على هويتنا كمجتمع سعودي نرتبط فيه عادة بجماعات أكبر، علينا الاستمرار في التركيز على تقليص تلك العادات السلبية، التي أثقلتنا سنوات، قدر الإمكان حتى مع بداية رفع الحظر تدريجيًا بل حتى بعد انتهاء فترة الحظر كليًا. دائمًا ما نسمع أن الأزمات تأتي محملة بالفرص، ولكن يبقى الدور علينا في اقتناصها وتطويعها لمصلحتنا، وحري بنا أن نستفيد من هذه الفرصة التي جعلتنا نتخلى عن كثير من تلك المظاهر، ونصنع التوازن بين هويتنا كمجتمع نشأ على ارتباط بالجماعة، وبين احترام كينونتنا كأفراد لنا الحق في العيش والتصرف بناء على ما نراه صالحًا لنا دون ضغوط. * أكاديمي ومستشار إعلامي