المجاهرة بالمعصية نتاج خلل أخلاقي ونفسي خطير انتشرت في الآونة الأخيرة بعض السلوكيات التي تكشف عن تجرؤ بعض الشباب في الخروج على الأنظمة وتحدي تقاليد المجتمع من خلال تصوير ونشر أشكال من التصرفات غير الأخلاقية عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت مثل التفحيط والسهر برفقة فتيات أو شرب المسكرات وغيرها من مظاهر المجاهرة بالمعصية التي يرفضها الإسلام والتي تعد غريبة على المجتمع السعودي بتقاليده وأخلاقياته وثوابته. فما هو السبب في انتشار مثل هذه الممارسات المرفوضة، وهذه الجرأة الغريبة في الخروج على النظام والمجاهرة بالمعاصي وكيف يمكن التصدي لمثل هذه السلوكيات اللا أخلاقية وهل ثمة حاجة لمراجعة الأنظمة لمواجهة هذه النوعية من التصرفات، وما هو دور مؤسسات المجتمع في التعامل مع هذه الأمر؟ «الرياض» طرحت هذه التساؤلات لمعرفة أسباب انتشار هذه الممارسات وطرق مواجهتها من خلال هذا التحقيق. خلل أخلاقي في البداية أوضح د. عبدالرحمن الشاعر -وكيل جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية- أن مرحلة التغيير والتغير التي اجتاحت المجتمعات البشرية خلال العقود الماضية أحدثت خللًا في المبادئ والأخلاق، لدى بعض فئات المجتمع السعودي وغيرها من المجتمعات نتيجة لعدة عوامل منها الانفتاح على المجتمعات الغربية واستحواذ التطور التقني على أسلوب الحياة حتى أحدث فيها شرخًا قضى على مفهوم الحياء، خاصة بين الشباب، مما أثر في القيم والمفاهيم الإنسانية، فأصبح الفرد المنطوي في المجتمع يكتسب شعورًا عارمًا بالظهور المميز من وجهة نظره منصاعًا بذلك إلى بعض الغرائز، ويختفي الإحساس بالمسؤولية والذي يفترض أن يكون الرادع للسلوك الشاذ، في طيات الشعور بالأهمية والبروز والخروج عن المألوف كليًا، وقد يكون السلوك الشاذ عدوى عقلية أو ذهنية، والعدوى ظاهرة تسهل ملاحظتها كما يذكر علماء النفس ومن دواعيها التحريض لدرجة أن يكون الفرد غير واعٍ بأعماله وتصرفاته وتتولد لديه قوة طائشة، وكل ما نشهده من سلوكيات تجاوزت القيم والمبادئ والمنطق تشكلت بالأساس من أدوات ونظم ووسائل وبيئة مناسبة، فالمحلل لهذه السلوكيات لا بد أن يتطرق إلى أدوات تشكيلها وتوجيهها مع البحث في أسباب غياب ردعها وإعادتها إلى تشكيلها السوي وبنائها بشكل متكامل منسجم أو متوازن، ما يضمن عدم اضطراب أو توازن الشخصية، كما هو حادث مع بعض الأفراد الذين اتخذوا من الجهر بالمعصية مساحة للبروز وتحقيق الذات. الخروج عن دائرة الأخلاق والقيم وأكد د.الشاعر أن هناك فروقًا فردية بين البشر، وفقاً لعلم النفس تمثل في أربعة أنماط هي: العقلاني، والتأملي والتجريبي، والتطبيقي؛ لذا عندما يختار الشاب وجهة معينة لا بد أن يعرف أنواع الممارسات التي تحقق أهدافه وغاياته التي في الغالب تتجاوز المعايير الفكرية، والانفعالية، والثقة بالنفس إلى الانغماس بالمؤثرات الخارجية وتكييف قدراته الشخصية في التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي التي تمنحه قدراً من الحرية يتجاوز من خلالها المعايير القيمية والأخلاقية السائدة في مجتمعه، موضحاً أن ثقافة وسائل التواصل الاجتماعي أزاحت مبدأ الخوف من بث الرسائل ومواجهة العزلة الاجتماعية، بل مكنت العامة من ممارسات شاذة، والاتصال كما نعلم يحدث تغييرًا في السلوك إذا تعرض له الفرد؛ لأن أفراد المجتمع المعاصر ليسوا معزولين بعضهم عن بعض، وينخرطون معًا في ممارسات تثير الانتباه والدافعية إلى تطورها وانتشارها، وهذا ما لمسناه من شباب خرجوا عن دائرة الأخلاق والقيم وجاهروا بها في الشوارع والميادين وشباب تلقفوا هذه المناظر الشاذة وأعادوا بثها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، موضحاً أنه عند النظر إلى الأسس الثقافية والاجتماعية التي تبنى عليها الشخصية المستقيمة نجد أنه من المفروض والمنطق أن يواجه انحراف أي فرد من أفراد المجتمع العديد من الضغوط الاجتماعية؛ لكونه يمارس سلوكًا مناقضًا لقيم ومبادئ المجتمع، فهو في نظر مجتمعه إنسان شاذ في شخصيته، ولا يستثنى هنا العوامل الثقافية، ومنها الجوانب الاقتصادية والدينية والتعليمية التي لها الدور المؤثر في تقويم السلوكيات الإيجابية لدى أفراد المجتمع، ومن جانب آخر نجد أن للعوامل البيئية دورًا في إثارة الانفعالات والتعبير عنها، ويظهر ذلك من خلال السلوك الأسري المتضمن التسلط والاستبداد والخلافات المتكررة وأخيرًا الانفعالات ووضعها في سياقها السليم، مشيراً إلى أن معطيات التقنيات الإعلامية ومجالاتها المتعددة ضربت جذورها في أعماق المجتمع، فأخذت تغير في سلوك الفرد، والتغيير في السلوك لا بد أن يواكبه شيء من الحذر، وحينما تفرض التقنية نفسها على المجتمع، فإنه لا بد من التكييف وإعادة الترتيب الوظيفي للفرد، وهنا يبرز دور التربية الإسلامية المتمثلة في المحافظة على فطرة النشء ورعايتها، وهذه قضية توكل إلى الآباء والمعلمين، وأمانة يحملها الجيل والجيل الذي بعده. محفزات سلبية من جانبه أوضح د. سليمان العقيل -استاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود- أن هناك مجموعة من المظاهر الاجتماعية ذات الوجوه المتعددة التي تكون في شكلها ومحتواها مخالفة للذوق العام في المجتمع ناهيك عن الثقافة والدين وشكر النعمة، ومرد مثل هذه المظاهر لمجموعة من المحفزات الباعثة لها، ومن المحفزات لمثل هذه التصرفات التي بدأت تنتشر عبر الشبكات الاجتماعية ومواقع الانترنت مؤخراً، ضعف الشخصية الفردية والفئوية الاجتماعية والتي من خلال ممارسة هذه المخالفات تهدف للفت النظر لها، كذلك ضعف الرابط والتواصل الاجتماعي بين هؤلاء الأفراد أو الفئة الاجتماعية وبين المحتوى الثقافي الاجتماعي للمجتمع مثل الدين والعادات والتقاليد والقيم وغيرها من الضوابط الاجتماعية المواجهة نحو السلوك السوي الذي يعكس لمحتوى المجتمع والفئة الاجتماعية، ومن المحفزات لهذه التصرفات المرفوضة أيضاً عدم تقدير القيمة الاجتماعية للأمن الاجتماعي والوطني والسمعة الوطنية للبلاد، وضعف الضبط المجتمعي أو تراخيه أو دخول المحسوبيات أو دخول ثقافة (حب الخشوم، وكلٍ يصلح سيارته) فهذه الثقافة من أهم المحفزات الاجتماعية التي بها يتجاوز المواطن كل الأنظمة، يضاف لذلك التحفيز المجتمعي غير المقصود في أجواء الأصدقاء أو المجتمع المدرسي أو التجمعات التي من خلالها يفقد الفرد القدرة على التركيز بالعواقب أو الانتباه لخطورة الفعل الذي يقدم عليه، فمجتمع المدرسة والنادي والحي والتجمعات من أكبر المحفزات للتجرؤ على تجاوز القانون، وهناك أيضاً التحفيز الاعلامي الذي ينشر الكثير من الموضوعات الشاذة في المجتمع من باب إظهار هذه المخالفات أحيانا، وبهذه الطريقة تجعل هذا العمل الخاطئ باباً للشهرة والتعريف المجتمعي بالفاعل، وأحياناً فإن الاعلام يدعم هؤلاء دعماً مباشر بالاستضافة لهم، في محاولة الاحتواء كما يزعمون، وهذا العمل من أهم المحفزات للأفعال الاجتماعية الشاذة التي مع استمرارها تزيح الفعل الاجتماعي الإيجابي ويحل محله هذا الفعل الشاذ ليكون القاعدة ويكون الفعل السوي هو الاستثناء. سلوكيات مرفوضة وعما إذا كانت الرغبة في الشهرة وحب الظهور مبرراً لمثل هذه التصرفات في تحدي النظام والقوانين، قال أحمد المحيميد -مستشار قانوني وعضو برنامج الأمان الأسري الوطني-: للأسف أن هذه السلوكيات مهما اختلفت آليتها وطرق تنفيذها تبقى سلوكيات مرفوضة وفيها مخالفة وربما تصل إلى الجريمة وسواءً كان الهدف منها الشهرة أو التميز عن الآخرين، لكن المؤسف أننا ونحن نرفض مثل هذه السلوكيات إلا أننا نساهم في نشرها وتنميتها وتشجيع الآخرين عليها بطريقة غير مباشرة، من خلال تداولها على نطاق واسع. «الشهرة الرخيصة» تحفّز المراهقين! يرى د.علي العتيبي-أستاذ الإعلام والاتصال الجماهيري بجامعة نايف العربية- أن انتشار مثل هذه التصرفات والتي تمثل صورة فظة ومرفوضة للمجاهرة بالمعاصي يعود بالأساس إلى حالة الفراغ والخواء النفسي التي يعيشها كثير من الشباب، والذي يدفعهم للتقليد الأعمى لما يشاهدونه عبر مواقع الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في مجتمعات لها تقاليدها وأخلاقها وثقافتها التي تتعارض مع كثير من تقاليد المجتمع السعودي والمجتمعات العربية والاسلامية، مؤكداً أن ثمة عوامل آخرى شجعت الشباب على الإقدام على مثل هذه التصرفات المرفوضة دينياً وأخلاقياً ومجتمعياً منها الرغبة في الظهور والاستعراض والشهرة الزائفة الرخيصة، وضعف الوازع الديني والأخلاقي، فضلاُ عن الفضاء الإلكتروني المفتوح عبر الشبكات الاجتماعية ومواقع الانترنت والتي أوجدت عالماُ افتراضياً له يختلف تماماً عن الواقع بكل محدداته وضوابطه إلى درجة أن أصبح هذا العالم الافتراضي وسيلة هروب كثير من الشباب عن واقع المجتمع وإنعزالهم عنه بكل ما يرتبط به من تقاليد وأخلاقيات، مما شجعهم على ارتكاب مثل هذه الأفعال المخلة والمخجلة والمرفوضة، مشيراً إلى أن أخطر شيء في انتشار مثل هذه التصرفات عبر مواقع الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي أنها ربما تمثل حافزاً للمراهقين والناشئة لتقليدها ولاسيما إذا لما يكن هناك رادعاً حقيقياً وقوياً لمن يرتكب مثل هذه الأفعال، بما يحول دون أن يفلت من العقاب. د. سليمان العقيل المحتوى المفتوح خلخل قيمنا الاجتماعية..! أكد د. سليمان العقيل -أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود- أن الانترنت والمحتوى المفتوح كان له أكبر الأثر في التغيير الاجتماعي وخلخلة القيم الاجتماعية بل وإحلالها بمجموعة من الموضوعات الوافدة ذات الأبعاد النفسية والثقافية والاجتماعية المدمرة على المدى البعيد، ونقل الثقافات والممارسات السلوكية الخاطئة، ثم الإستعداد للإنحراف لدى الأشخاص أو الفئات المجتمعية ذات الفعل السيء، مشيراً إلى أن هذا الاستعداد ينتظر فقط الفرصة للممارسة الخاطئة حين تهيؤ الوقت والمكان، ثم تُمارس الأفعال الخاطئة بدون خجل أو خوف، وفِي ظل المحفزات السابقة، يوجد الاستعداد للفعل المنحرف أو السلوك الخاطئ المتجاوز على المجتمع، وذلك من خلال إجتماع بعض المحفزات السابقة وتعاضدها (بوعي أو بغير وعي)، في ظل ضعف الصوت العاقل والقدوة الحسنة والصورة النمطية للشخصية السعودية التقليدية المتوازنة، والتجاوز بحقها، بل وإتهامها بالتخلف والرجعية وعدم مواكبة العصر، مشيراً في هذا الصدد إلى مجموعة من المظاهر الإجتماعية بأوجه مختلفة تكون في شكلها ومحتواها مخالفة للذوق العام للمجتمع وللثقافة والدين. تصوير الممارسات الشاذة تحد سافر للقيم وعادات المجتمع «تصوير المعصية» تحدّ سافر يستوجب تشديد العقوبة من ناحيته أوضح أحمد المحيميد -مستشار قانوني وعضو برنامج الأمان الأسري الوطني- أن هذه السلوكيات المرفوضة والتي تمثل في ذات الوقت مخالفات شرعية وتحدي «فج» للأنظمة واللوائح تعبر عن وجود القصد الجنائي لدى من يقوم بها وهو اتجاه إرادة الشخص لارتكاب المخالفة أو الجناية مما يستوجب معه تشديد العقوبة ومضاعفتها وتعتبر هذه التصرفات من المجاهرة بالمعصية والتي تستوجب عقوبات مشددة، مشيراً إلى أنه لا يوجد لدينا فراغ تشريعي لتنظيم التصوير أو النشر الالكتروني، فمن حيث الأنظمة هنالك نظام النشر والمطبوعات، ولائحة النشر الإلكتروني، ونظام الجرائم المعلوماتية، وتنظيم التصوير في الأماكن العامة، فضلًا عن اختصاص الشرطة ووزارة الداخلية في تلقي البلاغات وإختصاص الإدعاء العام في التحقيق بالجرائم الإلكترونية مع اختصاص نوعين من القضاء في نظر مثل هذه المخالفات أحدهما لجنة المخالفات الإعلامية بوزارة الاعلام والأخرى المحكمة الجزائية المختصة في الجرائم الجنائية وتختلف العقوبات من الغرامة المالية إلى السجن ويتضح من ذلك أن أي سلوك يمثل إساءة استخدام للمواقع الإلكترونية في النشر والتصوير والابتزاز والتحرش أو اختراق المواقع أو المساس بالدولة أو مصالحها أو الإخلال بالأمن يتم مواجهته بآلية تنظيمية عالية جداً تفرق بين المخالفة المهنية وبين الجريمة الجنائية. أحمد المحيميد سلوكيات مرفوضة من بعض الشباب في التعدي على قيم المجتمع جرأة البعض في الخروج على الأنظمة تحتاج لعقوبات رادعة مجموعة من المراهقين على الكورنيش في مشاهد فاضحة ومخجلة وخادشة للذوق العام تزايد الظاهرة يتطلب عقوبات رادعة بحق المخالفين بعض الشباب يسعى للشهرة الزائفة بمخالفة الآداب والأنظمة والتعدي على الغير د. عبدالرحمن الشاعر د. علي العتيبي