في جوف الليل توقظك رفيقتك، "أتعرفين ما أريد؟" "لا. ماذا؟".. "أرغب في فاكهة حمراء" أووه، تنهار كل الرغبات الكبيرة مثل الرغبة في النجاة للوطن أو تخليص العالم من الكورونا. تنتظر طلوع الصباح لكي تتسلح بالقفازات الطبية ومنقار البطة الذي يأخذ يتنسل مسرباً بخيوطه الكورونات لشفتيك. لا يسعك إلا التسامح مع مجفف الشعر لحيويته القتالية، فهو ناجع أيضاً لنفض الخبز أيضاً والكراواسان الذي تتطاير شرائحه الرقيقة وتسوق الكورونات لأنفك وعينيك، مغامرة مع المجفف الذي يغادر الحمام ليحتل مكانه بجوار باب الخروج كمحارب لصد الكورونات. تخترق من وراء نوتردام التي صمتت، وجدت فرصتها الأولى للتأمل في النار التي اندلعت فيها ذات ربيع، وفي الزوار الذين انقطعت أقدامهم تجوسها وأنفاسهم تشهق إعجاباً، تتساءل نوتردام إن كانت تفتقد كل تلك الملايين التي عشقتها؟ ربما لا، ربما وبعد ما يزيد على الثمانية قرون من الوجود في عين العشاق فإنها تحتاج لحظة صمت لحظة وحدة. تخترق عبوراً للنهر الذي يمضي منفرداً بالشمس وبالنوارس والحمام، هذا الذي يلقبونه بالفئران الطائرة، بلا شك يتساءل الحمام أين اختفى البشر بمخلفاتهم المسمنة، بلا شك الحمام يتهدد بالتقلص، الطبيعة في خلوة تعيد ترتيب أوراقها وموازنة كائناتها بعيداً عن تدخلات البشر التي تربك الموازين. تخترق لحانوتك المفضل "طيب Bien" تخيل أن تسمي حانوتك "طيب" أو "خير"، هذا الاختزال الجميل. تنتقي بمزاج، ما لذ وطاب من الأحمر. بعد يوم طويل من الصيام يحين موعد الإفطار، تضع طاسة الفواكه الحمراء بينك ورفيقتك وتأخذ تأكل، من الساعة العاشرة للثانية عشرة، تأكل كما تُسَبِّح، وبرأسك كلمة واحدة "أحمر، أحمر"، جسدك يلهج بالأحمر، تصبح الفاكهة الحمراء التي نتناولها في زمن السلم بلا مبالاة وكأمرٍ مفروغ منه تصبح هذه الفاكهة بَرَكَة كبيرة الآن في شِدَّة الكورونا. عجيب هو الجسد كيف تشحذ غرائزه الخفية لتشير بوصلاتها لما فيه عماره، ونحن نطمس تلك البوصلة بما نحشوه فيه بلا بصيرة. تفكر بالإنسان، وهذه الظاهرة "الأنتروبوليسين L'Anthropocène" العصر الذي اتسم بالإنسان كعامل لانقراض الحياة على الأرض، وذلك بتصعيده للأحداث الجيولوجية نتيجة لأنشطته التي كان لها التأثير المدمر للنظام البيئي للأرض. الأسبوع الخامس من الحصار، الرئيس ترمب يحجب حصة أميركا في تمويل منظمة الصحة العالمية، بينما ألمانيا تعرض المساهمة في تمويل ترميم كاتدرائية نوتردام التي ضعضعها الحريق الذي انبعث من حيث لا يُتَوَقَّع في إبريل الماضي2019، نوتردام التي بلغني لحجرة جلوسي حر نارها وطقطقة الخشب المحروق، يتبعها حريق الأمازونيا يتبعها حرائق من استراليا والكونغر والكوالا المشوي لحرائق بأنحاء الأرض، كل ذلك صرخة تقول إن الأرض تعبت. من هنا انبثق الحَجْر، نوتردام التي حُجِرَ عليها بالحواجز للترميم، والكعبة التي حُجِر عليها من مس الكورونا، يُحْجَرُ على القلب ليمتد الحَجْر لأرجاء الأرض. مثير مراقبة كيف تتحرك البيادق على رقعة الشطرنج المكممة لوجه العالم، شطرنج ظن البشر كونهم اللاعب الأساسي والكاسب فيه لتجيء الطبيعة وبحركة بالغة البساطة: "كش ملك"..