عندما ظهر فيروس كورونا وأخذ في الانتشار السريع، كان من ضمن الاحترازات الضرورية الوقائية التي اتخذتها كثير من الدول وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية إلزام الناس بالبقاء في بيوتهم وعدم الخروج إلا للضرورة. تقبل الناس في البداية هذا الأمر بشيء من التذمر والقلق، لكن أخبار كورونا المؤلمة ومستوى الوعي كان لهما دور في إدراك أهمية البقاء في البيت لحماية الجميع. وهكذا بدأ الناس في الاقتناع والتأقلم مع الوضع الجديد واكتشاف فوائده. الوضع أشبه بدخول الإنسان في برنامج تدريبي لاكتساب معارف ومهارات جديدة، أو البحث عن تغيير في نمط حياته وعاداته الغذائية والصحية. هذا البرنامج التدريبي استهدف الإنسان في كل مكان من مختلف الأعمار والجنسيات والثقافات، لا يوجد شروط تتعلق بالمؤهلات أو الخبرات، لا يوجد رسوم، لا يوجد رئيس ومرؤوس ولا غني ولا فقير، الجميع في هذا البرنامج متساوون. تضمن البرنامج الموضوعات التالية: التعامل مع الأزمات. إدارة الوقت. فوائد النوم المبكر. الترابط العائلي. ممارسة الأعمال المنزلية. الترشيد الاستهلاكي وتحديد الأساسيات والكماليات. الاهتمام بالصحة والنظافة والرياضة. الأكل من مطبخ البيت. التعليم عن بعد. العمل عن بعد. إدراك وتقدير مهمات العمالة المنزلية. التعاون والمشاركة داخل الأسرة. اكتشاف مواهب أفراد الأسرة. إعادة النظر في الأولويات. تلك الموضوعات يقدمها البرنامج بطريقة عملية، وهي طريقة التعلم بالممارسة. لا يوجد محاضرات. سيتعلم المتدرب كيف يطبخ، وكيف يحلق شعره بنفسه، وكيف يقوم بأعمال الصيانة المنزلية.. إلخ، سيفعل كل ذلك وأكثر بالممارسة. لن يستمع إلى محاضرة عن مراجعة أولوياته؛ لأنه سيكتشف هذا الأمر بنفسه، سوف يكون لديه الوقت للتأمل في موضوع الأولويات سواء أثناء البقاء في المنزل أو بعد زوال الوباء بمشيئة الله. سوف تتغير عاداته الصحية والغذائية أثناء الأزمة وبعدها. إنه اختبار للأفراد والأسر في الانضباط والقيادة والتعاون والتعامل مع الأزمات والمشاركة الاجتماعية لمصلحة الجميع. الدول أيضًا دخلت إجباريًا في مدرسة كورونا ليضعها أمام واقع جديد. تذكير بأولوية الصحة والتعليم ومراكز البحث العلمي، وتحذير من خطورة تلوث الهواء الذي انخفض بسبب الحجر الصحي، ورسالة قاسية عن حقوق الإنسان والحياة الكريمة الآمنة للجميع، ودروس عملية عن تحديد وترتيب الأولويات، وإدارة الأزمات، ومراجعة الأنظمة الصحية بمعايير إنسانية. وفي مدرسة كورونا تعلمت الدول بالممارسة أن الأزمات تتطلب قرارات حكومية سيادية بصرف النظر عن طبيعة النظام السياسي. صدق من قال إن القيادة هي فن اتخاذ القرار. وباء كورونا كان اختبارًا لقادة العالم في القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب. القرارات الشجاعة التي لا تقبل التأخير. جاء كورونا ليقدم اختبارًا عالميًا في موضوع القيادة لا يشتمل على اتخاذ القرارات فقط، بل يتضمن مجالات التنمية المختلفة، وفي مقدمتها الرعاية الصحية والبنية التحتية والكفاءات البشرية ومستوى الوعي والثقافة والوحدة الوطنية. اختبار لمستوى التعليم، ودور الجامعات ومراكز الأبحاث في خدمة المجتمع وحل المشكلات، اختبار لمستوى ونوعية الأبحاث العلمية، اختبار للمسؤولية الاجتماعية للأفراد والمؤسسات، اختبار شامل للدول لا يقتصر على النظام الصحي فقط بل يقيس مدى التقدم في كل المجالات. يتصف هذا الاختبار بأنه محايد لا يجامل ولا يخضع للمؤثرات السياسية ولا يطبق معايير مزدوجة.