قد تحمل النوازل في ظاهرها ونتائجها صدمات سالبة للإنسان، تضعه في خانة الضيق بسبب قصر رؤيته، وانكماش فهمه لما يحصل.. حيث إن الشك لديه يسبق يقينه، والوهم يغلب ثباته، والتوجس يهزم صلابة تفكيره. بالتدبر الواعي ندرك تماما أننا قد نكره أمرا وقد يكون فيه خير كثير دونما نشعر لبلادة فقهنا، وشتات وعينا.. فالبشر ينساقون مع النوازل بعاطفتهم لا عقولهم، وتسوقهم الجوائح إلى محطات الظنون بسهولة. في نازلة كورونا وما أصاب العالم لا أحد عاقلا يرقق حجم هذا البلاء الذي عطل الأرض كلها، وأصابها بالخسائر.. ولكن يجب علينا أن نتفهم من خلال فقه الموقف والواقع كثيرا من الحكم والعبر التي قد ترافق بعض النوازل والمصائب. "ماذا لوقيل لنا: اِبْقوا خارج بيوتكم!.. أيُّ أرض تُقِلُّنا، وأيّ سماء تُظِلُّنا؟.. منع تجول جزئي فشوارع خالية لأيام معدودة خير من بيوت خالية مستقبلا.. حتى في البَلاء نِعَمُ الله لا تُحصى، فالحمد لله". أمام العالم.. وفي قلب الشعب تبينت قدرات المملكة العالية صحيا بتعزيز الأمن الصحي عبر توفير المستلزمات والاحتياجات الطبية وتقصي ورصد الحالات وعلاجها ومتابعتها بدقة وتوعية الناس.. وتعليميا بتوفير بيئة تعلّمية ومواصلة التعليم عبر التقنيات المبتكرة.. وتجاريا بمراقبة لصوص الأزمات وتطمين الناس بتوفر الاحتياجات، ومتابعة جهود التموين والأمن الغذائي.. وأمنيا في مواجهة المخالفين، وضبط الأمن الاجتماعي، وإدارة مثل تلك الأزمة من قِبل دول كبيرة يضرب بها المثل، واتضح مدى تفاعل المواطن الإيجابي مع إجراءات بلاده فسادت الثقة والطمأنينة بين الطرفين. قبل أزمة كورونا كنا نستمتع بحياتنا الطبيعية وكان بيننا من يتذمر ويتشكى و"يطفش" ويردد لا جديد.. ولا فيه شيء ممكن نعمله.. واليوم العودة إلى الحياة الطبيعية غدت أمنية ملحة.. هكذا هي تصاريف الأمور بتدبير العلي القدير.. لنستشعر نِعما نرفل بها.. وقد تزول وتتبدل الأحوال في لمح البصر. أزمة كورونا أثبتت أن المواطن السعودي هو أهم مواطن لبلاده وحكومتها.. السعوديون بالخارج يرفلون بالدعم والإعاشة والاهتمام مجانا.. ودول أخرى تطلب ممن يريد إجلاء نفسه من أي دولة عليه أن يدفع قيمة ذلك أو يبحث عن مساعدة خيرية.. فانتفت شعارات حقوق الإنسان في دول ترددها وتعززت في دولتنا دون ضجيج. راجع الكثير حساباته في تفاصيل حياته قبل وبعد، عاد الكثير إلى التضرع إلى العزيز القهار. وضع المرء نفسه في اختبار حقيقي لمواجهة الإجراءات الاحترازية وتدبير أموره، وأعاد جدولة حياته وجلوسه ببيته، ومؤانسة أفراد أسرته "والرجوع لزمن الطيبين"، ومراجعة وجبات طعامه وواجباته المنزلية، وكسبه للوقت بما يفيد بحسب هذه المستجدات. تكرس مفهوم النظافة واتخاذ الأسباب التي تعزل الناس الضرر، وكشف لنا أن الناس تستطيع أن تترفه في منازلها، وتفرح بمناسباتها، وتقتصد في مصروفاتها، وتضبط ميزانياتها، وتتخلص من استهلاكها الفوضوي، وتنظم عيشها بلا وجبات سرعة أومشروبات مزاجية. والأهم يرى الجميع واقع أسعار البترول وانهيار الاقتصادات يتضح للجميع حس واستشراف وإدراك قيادتنا الحكيمة في صناعة اقتصاد الدولة عبر مرتكزات وبرامج رؤية 2030 الطموحة التي تمثلت في مرتكز "ما بعد النفط". ويبقى القول: من الحكمة أن يحول الإنسان كل أزمة إلى منحة وخيرة وفرصة للمراجعة وتغيير سلوكه الشخصي ووعيه وإدراكه الإيماني فيما يتطلب ذلك.. ستنكشف هذه الغمة بإذن الله لكن إن عدنا لغفلتنا وما نهينا عنه عاد الله عز وجل في تدبيره للأمور.