لم يكن مجتمع الجزيرة العربية جاهلاً بإدارة الأزمات وما يجتاحه من كوارث وأوبئة أضرت به, ولم يقف مكتوف الأيدي حتى في أشد الأحوال بل استطاع أن يخفف عن المصابين والمتضررين ما يعانون ويقوم بإدارة الموقف منكرًا لذاته حتى في أخطر المواقف والأحداث, واستطاع أن يخرج منها رغم النتائج التي خلفت ضرراً بشرياً كبيراً وخصوصاً أثناء تفشي الأوبئة. كان المجتمع يعي أسباب تفشي الوباء في قرية أو مدينة وأهمها الزيارات والتواصل الاجتماعي للمناسبات المختلفة فكان يطبق الحجر بعدم الخروج من القرية أو المدينة أو الدخول لهما كما كان في مكةالمكرمة عام 1336ه. عندما توقفت قوافل الحجاج والمعتمرين خارج مكة لتفشي وباء مميت. ولنا في أم الأيتام موضي البسام قدوة حسنة فيما قدمته في (سنة الرحمة) 1336ه. التي أدارت مصالح الأسر وقت تفشي المرض فكانت تطعمهم وتمر بهم وتخرج لهم الصدقات, كما تكفلت بأموال قدمتها لمن يحفر القبور ويدفن الموتى, وبأقمشة الأكفان, ولم يقصها مصابها في هذا الوباء الذي طالها بوفاة بعض أبنائها عن خدمة مجتمعها ومدينتها (عنيزة)، ولم يثنها عن فعل الخير وإحسانها على المكلومين والفقراء والأيتام والأرامل. كما كان للمحسنين من القادرين وأغنياء المجتمع دور في التخفيف عنهم يبذلون الإحسان بالفعل أو الصدقة, ذكر ذلك في كتاب (خزانة التواريخ النجدية): (وكان شغل الناس في ذلك الوقت حفر القبور حتى أن المحسن منهم من يقضي طوال يومه في حفر القبور لا يشغله عن ذلك إلا وقت الصلاة، أو لقيمات تعينه على عمله) انتهى. كما كفل الجيران والمقتدرون من وجهاء القرى المنكوبة ما خلفته الأوبئة والكوارث من أيتام وأرامل لا معيل لهم غير الله سبحانه وتعالى, كما فعلت أسر مدينة الوجه عندما كفلت كل أسرة مجموعة من الأيتام وقامت بتربيتهم حتى سن الرشد, من الذين فقدوا آباءهم من وباء الجدري عام 1356ه. كما هو نهج أخلاق سكان المملكة العربية السعودية قاطبة في الترابط وقت الشدائد قديماً وحاضراً. قامت النساء بواجب التمريض وخصوصاً من تعافت واكتسبت المناعة من هذا المرض, كما جاء ذلك في كتاب سنوات من عمري للأستاذ المرحوم بإذن الله حماد العرادي في كتابه (سنوات من عمري) ذكر فيه أن عمته من كانت تقوم بتمريض والدته وبعض المرضى بحكم المناعة التي اكتسبتها من نجاتها من المرض, كما ذكر الباحث في التاريخ الحديث للجزيرة العربية عبدالرحمن بن محمد زيد العرفج عن والده الذي أصابه المرض في (سنة الرحمة) 1336ه. ونجا منه قوله: (كانت والدتي رحمها الله تُعرّضني للهواء الطلق في سطح المنزل، وبقيت مدة (40) يوماً حبيس المنزل لا أخرج أبداً، حتى شفاني الله). عزل المرضى في بيوت بأطراف المدن, أو في خيمة أو بيت للشعر عند سكان البادية, حتى لا ينتشر المرض, ولا يتركون لنهش المرض بل كان يقوم على خدمتهم من شفي واكتسب المناعة, وعند شفائه تبدأ عملية النقاهة للمريض في تغذيته جيدا حتى يتم 40 يوماً يخرج بعدها للحياة. مارسوا عملية التطعيم على الأصحاء بإبر خياطة, يشطبون جلد العضد بعد مسحه بصديد الطفح الذي جمعوه من المرضى, للحد من انتشاره, كما حصل في مدينة الوجه شمال غرب المملكة عام 1356ه. وفي نجد عام 1337ه. قاموا بالتطبب بالأعشاب وعملوا منها خلطات في محاولة منهم لإيجاد مادة شافية منها, واستخدموا لبان الذكر والمرة ومن الأعشاب المعروفة في وقتهم, قد تقضي على الوباء الذي لا يرحم صغير أولاً كبيراً ولا يعطي مهلة. كان هناك اعتقاد بأن المريض الذي تعافى لا بد من تذوقه جميع الأطعمة حتى لا ينتكس عليه المرض كما يعتقدون في حال أكل من طعام بعد الشفاء التام, فكان يُطعم المتعافي أثناء النقاهة من جميع أنواع الأطعمة وكانت النساء تأتي بما لديهن من طعام للأسر المتأثرة تخفيفا ومساعدة وخصوصاً الفقراء الذين قد لا يستطيعون توفير الطعام بشكل كافٍ, وهذا مما عُرِف عن سكان الجزيرة العربية تكافلهم أثناء الكوارث وتفشي الأوبئة. ومن تصوير المعناة يقول الشاعر غصيبة بن طليحة البلوي: أمس الضحى بديت مروس المشاريف وعزي لمن مثلي ضميره يونِّ ناوي على المسفار مرضان ومخيف يا فاطري قوي عزايمك عني ودعتك الله يا البكار المواليف عزالله اني فتكن غصب عني كم ليلة باتن على الدار توقيف تهضَّع الفاطر وهن يرزمنِّ إن كود عافاني وسيع المعاريف نرجع لكن لو السنين ارمسنِّ استخدام الغيران في الجبال كمحجر صحي