عرفت البشرية كثيرا من الأمراض والأوبئة التي أبادت شعوبا، وفي الجزيرة العربية قام المجتمع بتأريخ سنوات الأوبئة القاتلة التي مرت بهم مثل (سنة الطاعون، وسنة الرحمة، وسنة الموت) عندما حصدت كثيرا من الأرواح وتركت أثرا موجعا بالذاكرة الشعبية. وللطب الشعبي في المملكة العربية السعودية تاريخ ودور كبير في العلاج البشري والحيواني، حيث مارسه سكان الجزيرة منذ القدم وبرعوا فيه، وعلى مدى تعاقب الأجيال برز أطباء شعبيون لمع نجمهم بمواقف حفظتها لهم الذاكرة الشعبية. ومنها (سنة الموت) في العام 1356ه. تقريبا أصاب سكان بادية مدينة الوجه التابعة لمنطقة تبوك وباء قاتل انتشر بينهم بسرعة هائلة، من أعراضه ألم في البطن، وطفح على الجلد، ويصيب بالعمى وتشويه بالبشرة. طال هذا الوباء البعيد والقريب، وامتد بالصحراء كالبرق، ولا يكاد يقف منه دفن الموتى، فقد وجد في المنطقة حاضنا جيدا له بسبب الفقر والجوع، لأن مريض هذا الوباء يحتاج لغذاء جيد. اضطر سكان البادية النزوح لمدينة الوجه ظانين أنهم سيجدون العلاج الشافي فيها، حيث لا ينجو من الوباء إلا القليل من الذين كتب لهم الله الشفاء، لكنهم وقعوا هناك بشراك هذا المرض الذي أصاب السكان بمدينة الوجه. فكان المرضى منتشرين على جانبي شوارع الوجه وطرقاتها، وفي الميناء، وسوق الوجه، بمنظر يصفه كتاب (سنوات من عمري) للأستاذ المرحوم بإذن الله، حماد العرادي، الذي كان شاهدا على تلك الأحداث بالمرعب. زادت المعاناة، ووقفت بلدية الوجه آنذاك عاجزة أمام هذا الوباء الذي يفتك بالخلق، فأبرقت للرياض بانتشار الوباء وخطورة الموقف، وقامت بعمل حجر صحي بدائي كتصرف مؤقت من خيام أمام الميناء في مكان يقال له الفنار، يُعزل فيه المرضى، ويقوم أحد أقاربهم ممن أصيب بالمرض وشفيَ منه بخدمته، لأنه اكتسب المناعة، حتى يصل الرد الذي يحتاج لأيام بسبب المواصلات التقليدية. حصد هذا الوباء كثيرا من الأرواح ما خلف أيتاما من دون مأوى، ولا ولي، عراة على شاطئ ميناء الوجه، منهم من فقد والده، ومنهم من فقد والدته، ومنهم من فقد الاثنين معا، وأرامل أصبحن من دون عائل. أصبحت الوجه تقبع تحت شبح هذا الوباء، حتى قيض الله لهم طبيبين شعبيين مشهورين في الطب الشعبي، وهما، سليمان مسيّب البلوي، حسين بديوي أحد أعيان ووجهاء مدينة الوجه، الذي برع في التجارة مع الطب الشعبي، فسحبوا المصل من الطفح الذي يظهر على أجسام المرضى في زروف الرصاص (بيت الذخيرة الفارغ) وأبر خياطة تقليدية، وقاموا بتطعيم أنفسهم وأهليهم وجيرانهم في بداية الأمر. يمسحا المصل على العضد ويشطب الجلد بالإبرة بعد تعقيمها بماء مغلي، وواصلوا عملية التطعيم لسكان مدينة الوجه. ثانيا حتى تم تطعيم جميع من بالمدينة، ثم استأجر بديوي ناقة من سليمان محمد العرادي، الذي رافقه في هذه الرحلة الإنسانية، وركب الطبيب الشعبي سليمان مسيّب راحلته، وتوجها للبادية يحملان أدوات التطعيم من مصل وإبر، وأخذ كل منهما اتجاها، يمرون على بيوت الشعر في كل مكان وناحية وموقع، وقاما بتطعيم سكان البادية، محاولان إنقاذ أكبر عدد من الناس، حتى بدأ المرض يتقهقر، والموت ينحسر. جاءت الإغاثة من الرياض، التي تأخرت بسبب المواصلات التقليدية، واحتوت الموقف، ووقفت على آثاره الجسيمة، وخصوصا كثرة الأيتام من الأطفال الذين استأجر لهم منزل كبير وعين الأستاذ إبراهيم الكلابي مسؤولا عنه، يقوم بخدمتهم، وإطعامهم، وشراء الملابس لهم، ومتابعة دراسة من يدرس منهم، لكون البعض منهم تحت سن المدرسة، وشكلت لجنة من موظفين رسميين وأعيان ووجهاء مدينة الوجه، لحصر الأرامل والمحتاجين، التي تمت إعالتهم من الدولة. حفظت الذاكرة الشعبية لهذين الطبيبين براعاتهما بالطب الشعبي لقيامهما بعمليات جراحية بسيطة كانت ناجحة بإمكانات بدائية. ومن أبيات من قصيدة تصف بعض العلاجات الشعبية قول الشاعر: إذا شكى القولون منك بليلة فعليك باليانسون دون جدالي وإذا أصبت بنزلة خذ زعتراً فهو العلاج لكحةٍ وسعال واستزرع الجرجير فهو كلحمة فاللحم قد يأتي على أشكال واغسل كُلاك بضمتي بقدونسٍ وعلاج حب للشباب مثالي وعصارة النعناع خير معالجٍ ومنشطٍ قلب العليل البالي وعليك بالشوفان أفضل حميةٍ يكوي الدهون بغير حد نصال الله يخلق داءنا ودواءنا سبحانه ربٌ عظيمٌ عالي ويجب عالى الإنسان الحذر والتوكل على الله كما جاء في قصيدة للشاعر حافظ بن محمد الحمدي: يالله يا خالق الدنيا يا مَلك يا صاحب المُلك كل الخلق لك اخضعَتْ يا رافعا سبع سموات بلا عمد يا باسط الأرض فوق الما ما وقعَتْ يا باري الكون يا معبود مقتدر يا عالم الغيب والمخلوق ما صنَعتْ أمنت بك يا إلاهي وأنت لي سند يا ملجئي يا غفور الروح لك سجَدتْ أدعوك يا خالق لي حل مكربة ضاقت بي الأرض والدنيا بما ارحبتْ ما من وزير ولا سلطان أقصده سواك يا واحدا شكواي لك رفعتْ أحسنت ظني بك ما زلت منتظرا منك الفرج كل ما طلعت وما غربتْ واختام صلوا على المختار يا من حضر عليه مني صلاة الله قد وجبتْ.. الأدوية الشعبية وصفت لأكثر من مرض الكي إحدى وسائل العلاج