لكأنما هناك تصعيد للهجرة الجماعية للأرواح من عالمنا مؤخراً، فلقد تزامنت مع ضحايا فيروس الكورونا في فرنسا وفاة اثنين من فناني رسوم القصص الكرتونية هما «ألبير أوديرزو» والفنانة «كلير بريتيشيه». وجاءت وفاة اوديرزو نتيجة لسكتة قلبية في مارس 24 عن عمر يتاهز ال 92 عاماً، هذا الفنان الذي ولد مصاباً بعمى الألوان وبستة أصابع في كل يد عوضاً عن خمسة أصابع، ورغم هذه الغرابة التي كانت كفيلة بعزله وإحباطه إلا أنه قد نجح في أن امتاع ملايين الفرنسيين ورسم الضحكة على وجوههم بتلك الشخصيات التي أبدع طرافتها ومرحها في سلسلة القصص المعروفة باسم «استريكس»، والتي اشتهرت عالمياً وتتوج بسببها كأشهر رسامي الكاريكاتور ليس فقط في فرنسا، وإنما على مستوى العالم. هذا ولقد ساهم هو في رسم الشخصيات بينما قام بكتابة النصوص الكاتب «رينيه جوسيني»، حيث تعاون الإثنان على اختراع شخصية المحارب الأشقر المندفع بتهور بين الشجاعة الأسطورية والحماقة شاهراً سيفه بخوذته المجنحة وشاربه الشبيه بحدوة فرس وأنفه بشكل بصلة والذي يتعاون ورفيقه المضحك «أوبيلكس» لصد عدوان فيالق جيش الرومان الغزاة. هاتان الشخصيتان الأقرب للتهور واللتان تندفعان للقتال بروح مرحة لاتهاب وتخوضان مواقف مستحيلة لاينقذهما فيها إلا المزيد من التهور والمفارقات التي مكنتهما من النجاح في مخاطبة سواء الأطفال أو الراشدين بأنحاء العالم وانزرعتا في وجدانهم. أما الفنانة «كلير بريتيشيه» والتي فارقت عالمنا في العاشر من فبراير 2020 فهي من مواليد عام 1940 وخريجة المدرسة العليا للفنون الجميلة بمدينتها «نانت»، هذا ولقد رسخت شهرتها وأثارت فضول وإعجاب مريدي الفن وقراء الصحف بفرادة شخصيتها حيث لفتت الأنظار بمظهرها الفني الفريد من حيث الأزياء التي تنتقيها أو تصفيفة الشعر الطليقة من كل قيد، وبالأهم فلقد احتلت مكانتها المرموقة في صفوف المبدعين الفرنسيين من خلال مسيرتها الحافلة، وذلك بجرأة وبلاغة مواضيع رسومها الكاريكاتورية، والألوان القوية التي تشبهها وتصبغ بها شخصياتها، هذا ولقد توجهت لها الأضواء في بداية السبعينيات حين عملت كرسامة في صحيفة «الابرفيتواز» وكانت المرأة الوحيدة التي تعاونت في الدوريات البلجيكية الفرنسية الكلاسيكية الرئيسية، وكانت رائدة في مجال النشر الذاتي لألبومات الكتب المصورة مثل مجموعتها المسماة «المحبطين» والتي نشرت في كتاب وتمارس فيها نقداً لازعاً لسلوك البروجوازية الحضرية الفرنسية، مما جعلها أشبه بعالمة اجتماع للطبقة المتوسطة والعليا من خلال مواظبتها على متابعتها في أعمالها التي توسعت لتشمل ألبومات عن الطب والأمومة والسياحة والمراهقة، كما في المسلسل الذي شاركت في إعداده «اغريبينا» والذي استمر عرضه للأعوام 1988-2009. ولقد توج نتاجها المعرض البانورامي الذي خصصه لأعمالها مركز جورج بومبيدو بباريس عام 2015 وذلك في مكتبة الإعلام العامة التابعة له. مدهش هذا العام الذي اُفتتح برفاة رموز الفكاهة ولتطل لتتربع الكورونا على أشهر ربيعه.