الشعر لعبة لغوية في منحاه الشكلي (وهذا ليس استصغاراً لشأنه)؛ أن نضع الكلمات في أنسب مكان نراه لها مثلما يحدث في اللعبة المعروفة لترتيب قطع صورة معينة (كرسمة حيوان مثلاً) إلى أن نصل لشكله الصحيح النهائي أو ما يسمى لعبة تركيب الصور المبعثرة. يقول بشار بن برد الشاعر الأعمى المبصر: يا قَومِ أَذني لِبَعضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أَحيانا لنمارس لعبة ترتيب الصور المبعثرة مع هذا البيت - والشطر الأول منه بالذات بعد إعادة تفكيكه - وسأعتبره الأنموذج (الشكل النهائي) الذي يجب أن يصل له من يجرب التجميع وستكون القطع كالتالي: (يا قوم / أذني / لبعض الحي / عاشقةٌ)، وهكذا سيكون شطر البيت بأربعة أجزاء أو أقسام، هنا بعض الترتيبات (المحتملة والمختارة) في نفس الوقت للأربعة أجزاء داخل الشطر المذكور: 1- أذني / لبعض الحي /عاشقةٌ / يا قوم. 2- أذني / عاشقة / لبعض الحي / يا قوم. 3- أذني / يا قوم / عاشقةٌ / لبعض الحي. 4- أذني / يا قوم / لبعض الحي / عاشقةٌ. مع تجاوز المنحى القواعدي والإعرابي حتى حين؛ الأربعة تصورات كلها تتشابه من ناحية المعنى والمضمون ليتدخل الشاعر هنا(فطرياً) باختيار الأنسب شكلاً والترتيب الأنسب للكلمات (وهو ما يدعي الوزن) وبالتالي سيصل كنتيجةً لذلك إلى الشطر السابق حاقناً القصيدة بإحساسه وببصمته العاطفية الخاصة به وهذا هو الشعر الحقيقي بل ومن هنا سُمي بالشعر لارتباطه بالشعور. شعراء العرب القدامى كانوا يقومون بذلك من دون حساب تلك الخطوات وهذا ما كان يسمى (الشاعر بالسليقة) أي أنه يصل مباشرةً للبيت الصالح من كل النواحي ب (حِسِّه) الأولي الخام فقط.