في كل يوم تستيقظ فيه «ناديا» الأم لأربعة أبناء والزوجة لرجل يغيب طوال اليوم لمسؤولياته في الوظيفة ويعود مثقلاً بالتعب، تجد نفسها أمام واجبات عديدة تبدأ من إعداد وجبة الفطور لأسرتها، ثم ترتيب الثياب التي سيرتدونها في المدرسة، والوقوف عند النافذة حتى يغادر آخر فرد في البيت، ثم العودة إلى مسؤوليات البيت التي تبدأ من التنظيف، وإعداد قائمة وجباتها الأساسية لليوم، فالخروج مع السائق لقضاء حاجيات واحتياجات المنزل من طعام وخضروات ومشتريات، حتى العودة لطهي الطعام ثم انتظار الأبناء الأربعة لعودتهم، والبقاء في دائرة الواجبات التي تستلزم الاستذكار للصغار من أبنائها، حتى وصول الزوج مساء والانشغال بإعداد الطعام له والعودة من جديد لالتزامات أخرى ثانوية، حتى ينتهي اليوم وتتأكد بأن الجميع في سريره لبداية يوم جديد، تعود مثقلة بجسدها المنهك لتضع رأسها على وسادتها لتعيد ترتيب الشريط اليومي الذي يمر وهي تدور في ذات الفلك الحياتي لواجبات زوجة وأم لا تنتهي. تشعر «ناديا» بالسعادة إذ تعيش بقلب هذه العائلة التي تحتاج لها في كل لحظة، لكنها تحن كثيراً أمام هذه المسؤوليات الكبيرة أن تجد نفسها، وأن تشعر بذاتها لشيء يخصها بمفردها، فالعمر مضى وهي مازالت تعيش للرجل وللأبناء الذين وهبها الله تعالى إياهم، لكنها مازالت تشعر أن هناك فراغ روحي يسكنها، وأنها بحاجة إلى إنجاز يتعلق بها تفرح به وتعيش له لأنه يخصها بمفردها، فمازالت الذاكرة لديها تقف عند تلك اللحظة التي تخرجت فيها من الجامعة قبل زواجها والتي عاهدت نفسها أن تلتحق بالعمل الذي تحبه وتحقق أحلامها، لكن الزواج سرقها ووضعها على محك المسؤوليات التي أنستها إنجازاتها المتعلقة بها كإنسانة. ترتيب الأوراق مثل «ناديا» كُثر، فالعديد من السيدات وضعن أنفسهن في موضع المسؤوليات التي التزمن بها بحب وسعادة، لكن الواجبات الحياتية لم تنته ومازالت تأخذ منهن الكثير حتى مضى العمر بهن وأنهن في دائرة المسؤوليات دون أن يتنبهن بأنهن بحاجة إلى إعادة ترتيب الأوراق، وتقاسم المسؤوليات مع الآخرين؛ لأنهن بحاجة للشعور بذواتهن، والعيش من أجل قضية أو هدف يحققنه حتى إن كان صغيراً جداً. وعلى الرغم من أن المرأة اليوم انطلقت لتحقيق ذاتها في مجالات عديدة، لكن في الوجه الآخر للحياة مازال هناك نساء ك»ناديا» يعيشون لأبنائهن وأزواجهن وبيوتهن دون أن يلتفتن لرغباتهن الخاصة حتى إن كانت رغبة صغيرة تتمثل في تشكيل علاقات مع بعض الصديقات أو الالتحاق بنادي الحي. انشغال بالبيت ورأت ثريا العبيد -ربة منزل- أنها تشعر بالسعادة حينما تجد نفسها تؤدي دورها في الحياة كأم وكزوجة وكأبنة لأسرتها، فمثل هذه الأدوار تعتبرها ضمن الإنجاز الذي تفخر به في الحياة، ولكنها مازالت برغم تلك السعادة تشعر أن شيئاً ما ينقصها لاسيما حينما يخرج الجميع من البيت لأداء أعمالهم بين الدراسة والعمل وتبقى هي في البيت لتؤدي مسؤولياتها المنزلية، فتتوق إلى إنجاز يخصها بمفردها، تحققه وتشعر من خلاله بالسعادة والفخر، مضيفةً أنها مؤخراً اكتشفت أنها بذلت أكثر من 18 عاماً وهي متزوجة وأم وهي مازالت بذات المعطيات قبل تلك السنوات حتى اليوم، ولم تُضف أي خبرة جديدة أو تتعلم شيئاً بخلاف الأشياء التي ترتبط بالبيت وبأسرتها، وهذا أشعرها بالحزن على نفسها، فالمسؤوليات سرقتها عن تحقيق إنجاز شخصي يسعدها. قرار التغيير وأوضحت نسرين الحمود -أم لسبعة أبناء- أنها قررت متأخرة أن تعيد ترتيب حياتها، وألا تترك للمسؤوليات فرصة لتكون حاجزاً أمام طموحاتها التي تخصها فقط، بعد أن قضت سنوات طويلة في دائرة المسؤوليات وتربية الأبناء وتعليمهم والاهتمام بطلبات زوجها الذي بحكم عمله تركها بمفردها تواجه تربية الأبناء وتدير المنزل، مضيفةً أنها وجدت عمرها يمضي وأنها أنفقت الكثير من الوقت من أجل الآخرين وهي ليست حزينة لذلك، فسعادتها جزء من سعادة أسرتها، ولكنها شعرت أنها تظلم نفسها إذ لم تترك للحياة أن تقدم لها شيئاً من الطموحات التي لطالما فكرت بها، مبينةً أنها قررت تغيير حياتها من مجرد أم تقوم بأمور بيتها وتدور في فلكهم إلى شخصية متعددة المهام، فحرصت على تنظيم وقتها والاستعانة بمن يساعدها في المنزل بوجود خادمة، ليتوفر لها شيء من الوقت فكانت البداية من الاهتمام بجسدها فالتحقت بنادٍ صحي وأصبحت تدخل كورسات مكثفة مع مدربات سعوديات، مؤكدةً على أنه أصبح لديها عالم منفصل عن أسرتها، ولديها ما تحب القيام به، ومن خلال النادي تعرفت على ملتقى للقراءة والتحقت به، حتى شعرت أن حياتها تغيرت وأن تغيراً كبيراً تعيشه من خلال لياقتها التي بدأت تستعيدها بخفضها لوزن زائد، ثم تنمية الجانب الفكري والمعرفي لديها، مُشددةً على ضرورة أن تسعى المرأة لأن تستمتع بجميع جوانب حياتها وأن تعيش الجزء الذي يخصها في الحياة ولا تتنازل عنه. العيش بتوازن وأكدت شذى الوسمي -مهتمة بشؤون الأسرة- على أن المرأة عليها أن تعيش الحياة بتوازن، وأن لا تترك لمسؤوليات الأسرة وأعباء التربية والالتزام الزوجي أن يضعفها خلف ظهر الحياة، فالمسؤوليات هي جزء من الإنجازات التي يمكن للمرء أن يفتخر بها، ولكن في المقابل الحياة تستحق أن تعاش بالكثير من الطموح والأحلام، وهذا لن يحدث إلاّ إذا قرر المرء سواء رجل أو امرأة أن يعيش جميع الأوجه الممكنة بالشكل الذي لا يترك مجالاً فيه لتحقيق ذاته، مضيفةً أن الكثير من السيدات -مع الأسف- تنسى نفسها حينما تغرق في مسؤوليات الحياة وتربية الأبناء، إلاّ أن مثل هذا يعد خطأً لا يظهر أثره إلاّ حينما يمضي الزمن وتجد المرأة أن جميع من قدمت لهم عمرها مضوا في طريق تحقيقهم لإنجازاتهم وبقيت هي وحيدة، وهي لا تستطيع أن تستعيد ما مضى من عمرها حتى تحقق ما تحلم به. ذبول سريع وأوضحت شذى الوسمي أنه من المهم أن يكون الزوج والأبناء داعمين لمثل هذه الخطوة في حياة المرأة، وأن يتعاون الجميع حتى تفعل ما تحب، وأن يكون لها اهتماماتها الخاصة البعيدة عنهم، وألا يمثلوا عائقاً كبيراً أمام طموحاتها، فيمكن للمرأة إذا لم تكمل تعليمها أن تتعلم، ويمكن لها أن تلتحق في وظيفة تحبها إذا رغبت بذلك، كما يمكن لها أن تتطوع متى ما شعرت أن هذا المجال سيعزز من الذات لديها ويحقق شيئاً من طموحاتها بالاستقلالية، مبينةً أن المرأة التي تنفق العمر في خدمة الآخرين ومن أجلهم فإنها تذبل سريعاً، وربما تدخل في دائرة الاكتئاب أو الاضطراب النفسي؛ لأن المرء الذي لا يصل إلى ما يحلم به لا يشعر بالتصالح مع الذات، وهذا يمكن أن يعيق شعوره بالاستقرار في الحياة كما يمكن أن يؤثر على تعاطيه مع من حوله. المرأة الناجحة هي من تعيش بتوازن بين منزلها وعملها