لا يعلم أحد من أفراد أسرة نادر لماذا قضى سنوات شبابه عازفاً عن الزواج، على الرغم من أنه وصل إلى عمر الخمسين، لا سيما أنه رجل يعمل ولديه جميع المقومات التي تؤهله حتى يكون زوجاً وصاحب أسرة، إلاّ أنه وحتى مع وجود الإمكانات فضل أن يكون «عازباً»، حيث ما زال يقيم مع والدته في بيت والده الذي تركه لهم، مكتفياً بالحياة الروتينية التي تتمثل في استقبال أقاربه بشكل يومي في ديوانية المنزل بعد أن ينتهوا من أعمالهم، فيما هو يرقب الحياة تمر ببطء من حوله لا يحرك ذلك السكون الذي يعيشه سوى صوت التلفاز وأحاديث والدته التي يشعر بتعاطفها الكبير معه لكونه دون زوجة ودون أبناء، ليبقى أخوته متعجبين من موقفه، إذ لا أحد يجرأ أن يسأله: لماذا لا تتزوج؟، فهل يمكن للرجل أن يواجه ذات الملحوظات التي تدور حول المرأة حينما تبقى دون زوج؟، وهل يضع المجتمع الرجل الذي لم يتزوج في دائرة الانتقاد؟، أم أن النظرة القديمة في فكرة أن الرجل لا يعيبه شيء ما زالت موجودة في المجتمع؟. لا أصلح أباً وقال عادل محمد -موظف في قطاع حكومي-: إن الرجل لا يمنعه من اختيار خطوة الزواج مانع سوى أن يكون قراراً قد اتخذه لأسباب تخصه، فالانتقاد المجتمعي لا يطاله كما يطال المرأة، على الرغم من أن المرأة لا تعزف عن الزواج باختيارها إنما تدخل دائرة العنوسة رغماً عنها، في حين وجدت بعض الحالات لرجال يعزفون عن الزواج بإرادتهم ويرفضون أن يسألهم أحد من أفراد أسرتهم عن أسباب ذلك العزوف، إلاّ أنه من المؤكد أن لكل حالة أسبابها، فهناك من يختار أن يبقى في حياة العزوبية لأنه يجد سعادته في الوحدة، في حين أن هناك من يصرح بأنه لا يصلح بأن يكون زوجاً أو أباً يوماً ما، فيدرك الكثير من جوانب شخصيته، فيفضل أن يبقى عازباً وعازفاً عن الزواج، وربما هناك من يشعر أن المرأة التي يرغب في تقاسمه حياته لن تكون موجودة كما يتصورها فيفضل البقاء وحيداً دون أسرة تخصه. علامة استفهام ورأت منيرة نجدي -تعمل في التعليم الأهلي- أن المجتمع يقابل عزوف الرجل عن الزواج بذات الانتقاد الذي يقابل فيه عنوسة المرأة، إلاّ أن هناك تباينا بين الحالين، فالمجتمع قد يتعاطف مع المرأة التي يتقدم بها العمر وهي دون زوج، في حين يضع علامة استفهام على الرجل الذي يختار أن يبقى في الدائرة المحايدة من الحياة دون تجارب حقيقية من المسؤولية والامتحان، مضيفةً أنه من المؤكد أن أكبر اختبار يواجه الرجل في الحياة هو حالة الزواج، وبأن يكون مسؤولاً في بيت هو من يديره ويقوده، فإمّا أن ينجح في مثل هذه المهمة أو يفشل، في حين تفضل المرأة دوماً أن تكون في مثل هذه الاختبارات؛ لأنها بطبيعتها التي خلقت عليها تفضل الأمومة والمسؤولية المطلقة في بيت تجد أنها ملكته، لذلك فالاستفهام الحقيقي حول ذلك الرجل الذي يرفض أن يدخل في دائرة الزواج ويبقى عازفاً عن الزواج طوال حياته، مبينةً أن هناك بعض الحالات لرجال يصل إلى الأربعين ويقدم على فكرة الزواج متأخراً لأسباب مادية أو لأي أسباب أخرى ثم تتبدل قناعاته ويرغب في الزواج، ولكنه يقابل بالاستفهام المجتمعي، مشيرةً إلى أن هناك أسرا ترفض مثل هذا النموذج لأنها تشعر أن هناك شيئاً غير مفهوم في بقاء مثل هذا الرجل دون ارتباط حتى هذا العمر، لا سيما حينما يكون الرجل قادراً مادياً، فتدور حول مثل هذا الرجل مخاوف من أن يكون هناك أسباب غير معلنة في عزوفه عن الزواج حتى عمر متقدم فيجد صعوبة في وجود المرأة المناسبة. استغراب كبير وتحدثت بلقيس اليوسف -مختصة في علم الاجتماع- قائلةً: إنه من الطبيعي أن تعيش المرأة حياة العزوبية، وأن تقضي أحياناً العمر دون رجل، ذلك لأن المرأة لا تختار في مجتمعاتنا الرجل، ولم تختر أيضاً أن تدخل في إطار العنوسة، في حين يختلف ذلك مع الرجل الذي غالباً ما يكون الخيار بين يديه فهو من يحدد شكل حياته، وهو من يقرر كيف يمكن له أن يقضي الحياة وحيداً أو زوجاً، فهو في مجتمعنا من يستطيع أن يختار المرأة التي تقاسمه الحياة، لذلك فحينما يدير الرجل ظهره للزواج فإن ذلك يجد استغراباً كبيراً من المجتمع، قد لا يصل إلى الانتقاد المباشر لكنه حتماً يوضع على مثل هذا الرجل الذي وصل إلى مرحلة عمرية متقدمة دون زوجة «علامة استفهام» كبيرة قد تضعه تحت طائلة من التساؤلات المحرجة، فكما المرأة تعاني من كونها تنتظر قطار الزواج الذي لا يمر ويطلق عليها «عانس»، فالرجل الذي لم يتزوج أيضاً توجه له العديد من الملحوظات وربما عاش معاناة كبيرة أقسى من المرأة؛ لأننا في مجتمع يقيس الأمور من منطلق مبدأ الرجولة والفكر الشائع عن مفهوم الذكورة، والعدول عن الزواج هو مخالف لتلك الصورة النمطية الموجودة في المجتمع، لذلك يعاني الرجل ولكن بطرق مختلفة عن تلك التي يمكن للمرأة أن تعاني منها إذا ما بقيت خارج إطار الزواج. شخصية صعبة وأشارت بلقيس اليوسف إلى أن هناك أسباباً ظاهرة وأخرى خفية تدفع الرجل لأن يعدل عن الزواج، فهناك من يشعر بأنه يحمل طباعا شخصية يصعب تحملها، فيفضل أن يبتعد عن الدائرة التي تزج به في المحيط الاجتماعي بشكل مباشر وهو محيط الزواج، لأنه عبارة عن بيت وزوجة وأبناء وأقارب ومجاملات اجتماعية، في حين قد يفضل التقارب البسيط في محيط أسرته، مضيفةً أن هناك أيضاً من يعدل عن الزواج لوضعه الصحي غير المستقر، أو لعدم وجود دخل مادي محدد يستطيع أن ينفق منه على هذه الزوجة، لذلك ليس كل عزوف عن الزواج من قبل الرجل مرفوض أو منتقد، مُشددةً على أنه من الأفضل أن يبقى الرجل في محيطه الشخصي دون ارتباط إذا شعر بأنه غير قادر على مسؤوليات هذه الشراكة، فالمشكلة التي أصبحنا نواجهها أن هناك من الشباب من يتزوج وهو غير مؤهل مادياً ونفسياً، لذلك فالأفضل أن يختار الرجل وكذلك المرأة ما يناسبهما على ألا يدخلا في تجربة زواج قد تؤدي لظلم الطرف الآخر. «أعيش وحيداً ودون وجع رأس» هو شعار البعض في تبريره لعدم الزواج