تشترط العديد من الفتيات تدوين شروط مواصلة العمل الوظيفي وإكمال الدراسة في وثيقة عقد النكاح؛ من أجل ضمان مستقبلها وحماية نفسها من خيبات أمل قد تعترض طريق حياتها بعد أن ترتبط بزوج المستقبل، إلى جانب شعورها أن الشهادة الدراسية والوظيفة قد تحققان لها المكانة الاجتماعية التي تحلم بها، وكذلك الشعور باستقلاليتها التامة فيما يتعلَّق بتوفير احتياجاتها الضرورية، ومساعدة شريك حياتها في التغلب على ظروف الحياة الصعبة التي باتت تتطلب الشراكة من قبل الطرفين إضافة إلى رغبتها في المساهمة في أداء دورها المطلوب في التنمية الشاملة التي يشهدها الوطن في مختلف المجالات. وفي المقابل فإن الزوج قد يرفض تدوين هذه الشروط في وثيقة عقد النكاح، خصوصاً عندما يتحفظ على طبيعة عمل الزوجة، كأن تكون طبيبة تتطلب طبيعة عملها المبيت فيه أو البقاء إلى ساعة متأخرة من الليل، إلى جانب وجود من يبرر ذلك بقدرته على أداء كافة التزاماته الأسرية بمعزل عن مساعدة زوجة المستقبل. العمل يمنح المرأة الاستقلالية والحضور أمام الآخرين وتحقيق الأمنيات بعد سنوات طويلة وشاقة في التعليم الحاجة للمال واعتبرت "سارة الغامدي" -طالبة بكلية الطب- أن مواصلة العمل والدراسة حق من حقوق فتاة اليوم التي تبدلت أفكارها وأصبحت مواكبة لعصرها الذي ينظر للمرأة العاملة نظرة احترام وتقدير. وقالت: "لا أستطيع أن أتوقف أمام عتبة باب الزوجية ليصبح دوري محصوراً بين جدران البيت"، مضيفة أن خيار الفتاة في السابق كان مقتصراً على الجلوس في البيت قبل أن تجبرها الظروف على البحث عن فرصة عمل تحاول عبرها تحقيق طموحها الذي تناثر بين لحظات انتظار ضائعة، خصوصاً تلك المرأة التي تجرعت مرارة الحاجة للمال والعيش تحت رحمة رجل ظالم استغل ضعفها على أمل أن يتذكرها بمصروف شهري بالكاد يكفيها. مصروف شهري وأيدتها في ذلك "مي حمدان" -موظفة-، مضيفة أن سعادتها لا توصف حينما تم السماح للمرأة بالعمل في المراكز التجارية، موضحة أن ذلك جعل الكثيرات ممن هن في مثل ظروفها يخرجن من نفق العيش كرهاً مع زوج لا يُقدر الحياة الزوجية ويُلوِّح بعصا الحرمان من المصروف الشهري عند كل مشكلة تحدث بينها وبينه، حتى إن كان هذا الاختلاف بسيطاً، مشيرة إلى أنها تركت الدراسة في المرحلة المتوسطة نزولاً عند رغبة زوجها الذي كان يُؤكد دائماً على أنه سيوفر لها الحياة الكريمة ولن يجعلها تحتاج قرشاً واحداً، إلى جانب إشعارها أن حصولها على الشهادة يبقى مجرد تحصيل حاصل في حياتها. وأضافت أنه ما أن مرت سنوات قليلة على زواجهما إلا وتحولت من زوجة إلى متسولة تنتظر أن يحن قلب زوجها عليها بما تجود به نفسه، لافتة إلى أنها صبرت وتحملت وأنجبت ثلاثة أبناء، مبينة أنها كانت تعيش في تلك الفترة على أمل تحقيق حلمها في الحصول على وظيفة مناسبة تساعدها على الخروج من هذا الوضع المُتازِّم، مشيرة إلى أن هذا الحلم تحول أخيراً إلى واقع ملموس، إذ عملت في إحدى الجهات براتب شهري تمكنت عبره من توفير احتياجاتها وأبنائها الذين حُرموا من أشياء كثيرة؛ نتيجة بخل والدهم وتقتيره عليهم. الفستان الأبيض وبينت "غني سليمان" -موظفة بقسم التحاليل والمختبرات بأحد المستشفيات- أنه رغم أنها كانت تحلم بمجيء اليوم الذي ترتدي فيه الفستان الأبيض، إلا أن شرط مواصلة عملها الوظيفي الذي تشترطه ربما كان سبباً في تأجيل هذا الحلم؛ وذلك نتيجة رفض كل من يتقدم لخطبتها مواصلة عملها، مؤكدة على أنها لن تتنازل عن ذلك، مشيرة إلى أن من يرى أن عملها غير ملائم لشريكة حياته شخص غير جدير بالاقتران بها على المدى البعيد. التوازن بين رغبة الرجل وأمنية المرأة يمضي بهما إلى حياة مستقرة التزامات أسرية وأشارت "علياء الجهني" -موظفة- إلى أن زوجها كان عوناً لها وسبباً مباشراً بعدالله –سبحانه وتعالى- في مواصلة عملها الذي انقطعت عنه بعد زواجها به وإنجابها ثلاثة أطفال منه. وقالت: "كنت كثيرة التضجر نتيجة جلوسي في البيت؛ لأنني كنت بحاجة لعمل أساعد زوجي من خلاله على الوفاء بالالتزامات الأسرية، رغم أنه لم يُقصر معي، وكان يُؤكد دائماً على أني أستحق الشكر والتقدير نظير الوفاء بمسؤولياتي الأسرية داخل المنزل، وكان يُغدق علي بالهدايا؛ لكي لا أشعر أنني أقل من صديقاتي أو شقيقاتي العاملات". وأضافت أنها التحقت ببرنامج "حافز"، موضحة أن المبلغ المالي الذي كانت تتقاضاه جعلها تشعر باستقلاليتها المالية عن زوجها، مشيرة إلى أنها كانت تصرف من هذا المبلغ على نفسها وأبنائها، قبل أن يتم ترشيحها عن طريق "الموارد البشرية" للعمل في إحدى الجمعيات النسائية، لافتة إلى أن زوجها وافق على ذلك نزولاً عند رغبتها، لافتة إلى أنهما استطاعا بهذا الدخل المشترك أن يعيشا في مستوى جيد. تجارب قاسية وبينت "د.نادية التميمي" -استشارية علم نفس إرشادي وعلاقات زوجية- أنه لا يجب أن تكون القاعدة في الحياة النماذج السلبية أو التجارب القاسية، بل يجب أن يكون لدينا حسن الظن بالآخرين، لا خبراتنا السابقة السلبية وأخذ الاحتياطات التي تدخل في إطار سوء الظن، مضيفة أن هناك خطوات معينة يجب الأخذ بها في هذا المجال، ومن أبرزها: عدم أخذ القرار إلا بعد الاقتناع التام، فإذا اقنع الزوج زوجته أن تبقى في المنزل واقتنعت دون إكراه فلا بأس، مشيرة إلى أن عليها أن تسال نفسها هل الشهادة في مصلحة بيتها وأطفالها أم لا؟. وأكدت على أن التوقيع على الشروط لا يجب أن يكون هو النقطة التي نقف عندها، كما أنه لا يجب أن يتم التعامل مع الرجل على أساس أنه الطرف الذي يغدر ويبطش، فالرجل هو الأب والأخ والابن، ولا يجب أن نتوقع الأمر السلبي منه، موضحة أنه متى ما أراد الزوج استخدام الأساليب السلبية والضغط على الطرف الآخر، فإنه قادر على ذلك، مشيرة إلى أن ورقة عقد الزواج لن تمنعه عن ذلك ولن تكون هي الوسيلة الآمنة لحفظ حقوق الزوجة، لافتة إلى أن الحوار الجيد بين الطرفين هو السبيل لدفع الزوج للوفاء بما التزم به سابقاً. د.محمد المعبي شروط مباحة وقال "د.محمد المعبي" -مأذون شرعي-:"إكمال الدراسة ومواصلة العمل الوظيفي من الشروط المباحة، إلا شرطاً أحلَّ حراماً أو حرام أحل حلالاً"، مضيفاً أن الإخلال بالشرط يعني مطالبة الزوج بالإيفاء بما اتفق عليه، وإلا فإن من حق الزوجة طلب الطلاق، مشيراً إلى أن اشتراط مواصلة العمل الوظيفي ومواصلة الدراسة والسكن في بيت مستقل تعد من أبرز وأهم شروط الزوجة التي تطلب تدوينها في وثيقة عقد النكاح، لافتاً إلى أن الشرط الأساسي في السابق هو أن تسكن الزوجة في بيت شرعي فقط. وأضاف أن العريس قد يُفاجأ أحياناً بشروط لم تكن في حسبانه ولم يتم الاتفاق عليها؛ ولذلك تحدث بعض المفاجآت غير المتوقعة وقد ينتج عن ذلك أحياناً إلغاء عقد النكاح أو أن يوافق الزوج على مضض، موضحاً أن العريس يرفض أحياناً كتابة الشرط في العقد متعهداً بالالتزام الشفهي، بيد أن الفتيات يطالبن بتسجيله في العقد؛ لأنه يشعرها بالأمان وبرغبة الزوج إكمال نصف دينه معها. د.عبدالله الجفن وفاء الزوج وأشار "د.عبدالله الجفن" -باحث شرعي- إلى أن الزوجة إذا اشترطت على الزوج هي أو وليها أثناء كتابة العقد أو قبله شرطاً مما لا يقتضيه العقد ولا ينافيه، وإنما هو أمر خارج عن معنى العقد، كالشروط التي يعود نفعها على الزوجة، كأن تشترط الاستمرار في عمل وظيفي معين، أو ألا يخرجها من دارها، أو ألا يسافر بها، أو ألا يتزوج عليها، فإن اشتراط هذه الشروط لا يؤثر على صحة العقد، مضيفاً أن أهل العلم اختلفوا حول وجوب وفاء الزوج بهذه الشروط، مبيناً أنهم في ذلك على قولين، فالجمهور ومنهم "مالك" و"الشافعي" و"أبو حنيفة" و"الليث" و"الثوري" لا يوجبون على الزوج الوفاء بها، فيما أوجب ذلك "أحمد بن حنبل" و"الأوزاعي" وآخرون، وقالوا:"إن الزوج إذا لم يف بها كان للزوجة طلب الطلاق قضاء". وأضاف أن القول الأخير هو الراجح؛ لقوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود"، مشيراً إلى أن الله –سبحانه وتعالى- أمر بالوفاء بالعقود وهي "العهود"، لافتاً إلى أن أوجب وأحقّ ما يُوفي به الشخص من الشروط التي اشترطها على نفسه، هي شروط النكاح، فعن "أبي مسعود عقبة بن عامر" -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج"، موضحاً أنه لا فرق بين أن يُشترط ذلك في العقد أم لا، ما دام الشرط متقدماً على العقد، وعليه فإنه يجب على الزوج أن يُوفي بهذا الشرط الذي أخذه على نفسه، وأما إن اشترط الزوج مبلغاً من المال تدفعه المرأة له نظير سماحه لها بالعمل، فله أن يأخذ ما اشترط عليها، وإذا لم يشترط شيئاً، فلا يأخذ منها شيئاً، ولكن إذا كانت نفسك ترضى بهذا وتطيب به، فمن حسن العشرة بين الزوجين أن تساعد الزوجة زوجها، خصوصاً إذا احتاج لذلك. د.إبراهيم الجوير وثيقة الزواج وأوضح "د.إبراهيم الجوير" -أستاذ علم الاجتماع- أنه يحق للزوجة أن تشترط ما تراه من شروط في وثيقة الزواج، ومن بينها اشتراط إكمال الدراسة ومواصلة العمل الوظيفي، مضيفاً أن التفاهم بين الزوجين يبقى من أهم الأمور في هذا الشأن، فقد يقبل الزوج بالشرط ولكن عندما يريد أن يكيد لزوجته فإنه يُظهر في البداية قبوله بهذه الشروط، ثم يضايقها في كثير من الأمور، فعندما تشترط الزوجة أن تعمل فإنه قد يضع أمامها الكثير من العراقيل في سبيل وصولها للعمل؛ مما يؤثر سلباً على أدائها له، موضحاً أنه قد يضايقها في المنزل، وبالتالي لا تجد فرصة للجمع بين مسؤوليتها في عملها ومهامها في بيت الزوجية. وأضاف أن الزوجة في هذه الحالة قد تجد نفسها مضطرة للتنازل عن هذا الشرط، أو أنها تنصاع لغيره مع انه وافق على الشرط أساساً، مشيراً إلى أنه إذا لم يكن لدى الزوج قابلية لقبول الشرط، فإن وجوده مكتوب ليس بالضرورة أن يحقق للزوجة ما تريد، لافتاً إلى أنه من الأفضل لها ألا تعتمد على وجود الشرط، وإنما عليها أن تبادر إلى التفاهم مع زوجها وأن تُحسن خُلقها وتؤدي واجباتها على نحو جيد، بحيث لا تتيح لزوجها الفرصة لأن يمنعها من الاستمرار في عملها الوظيفي، مبيناً أن جميع الأزواج ليسوا في مستوى واحد من التفاهم والقدرة والايجابية. وأشار إلى أن إصرار الفتاة على شروطها ربما كان عائداً لعدم ثقتها في زوجها عبر تجارب أخرى سلبية نُقلت لها عن فتيات أُخريات في هذا الشأن؛ مما قد يجعلها تظن أن ضمان العمل بالنسبة لها يكون أكثر أماناً من استمرار الحياة الزوجية، مضيفاً أن المرأة ربما خُدعت في مسألة استمرارها بالعمل الوظيفي أو ترقيتها وتنسى حياتها الزوجية وأنها زوجة وأم؛ فتمضي أيام عمرها وهي تتخيل أنها ستكون في عملها الوظيفي أكثر سعادة وأماناً ونضجاً، في حين أنه إذا تقدم بها العمر ووجدت أن غيرها من بنات جيلها سبقنها في إنجاب الأطفال وتكوين الأسرة؛ فإنها تتأسف وتقول:"ليتني ضحيت بعملي ومنصبي في سبيل أن أبني أسرة وأكون أكثر استقراراً". تعليم الفتاة بعد سنوات طويلة وشاقة لا ينتهي برفض الزوج من دون مبرر ولفت إلى أن العديد من السيدات المشهورات ممن أغرتهن الشهرة والعمل عن الزواج وتكوين أسرة مستقرة حينما أوشكن على التقاعد، وأقيمت لهن حفلات التكريم نظير إنجازاتهن العلمية أو العملية تأسفن على تلك الفرصة التي ذهبت أدراج الرياح، حتى أن إحداهن قالت ذات مرة: "خذوا شهاداتي وأعطوني طفلاً يقول لي يا ماما"، مشدداً على ضرورة أن يكون هناك توازن بين الرغبة في مواصلة العمل وبين طبيعة الأنثى