يقضي الإنسان داخل مسكنه ما يصل إلى خمسين في المئة من حياته، لهذا السبب الرئيس كان للمسكن التأثير الكبير على صحة قاطنيه، بناءً عليه نجد منظمة الصحة العالمية تعتبر الاكتظاظ أو التزاحم بوجه عام وفي المساكن على وجه التحديد واحداً من العناصر الرئيسة ذات الأثر على صحة الإنسان، حيث يؤدي التزاحم للأشخاص في مساحة ضيقة على التفشي السريع والتفاقم للأمراض المعدية، من ثم فإن توفير مساحة مناسبة لكل شخص في المسكن يقلل من انتقال العدوى الناجمة عن مسببات الأمراض المعدية، خاصة القابلة للانتقال من شخص لآخر، كما هي الحال في أمراض الجهاز التنفسي الذي يأتي فيروس كورونا الذي نشهد هذه الأيام مدى سرعة انتشاره وتفشيه على رأس قائمتها. إن السبب الأساسي للتزاحم السكني هو ضعف القدرة على تحمل تكاليف السكن، حيث تتسع الفجوة بين أسعار المنازل ودخل الأسر، فكما هو معروف أنه كلما صغر حجم المسكن قلت تكلفة الشراء أو الإيجار، لذا فإن التزاحم كظاهرة ترتبط إلى حد كبير بالوضع الاقتصادي للأسر في أي بيئة حضرية. إن مما لفتت إليه الاستراتيجية الوطنية للإسكان وفقاً للدراسات التي استندت إليها هو أن أكثر من (56 %) من المساكن في المملكة مكتظة، حيث إن متوسط إشغال كل غرفة نوم يبلغ (2.3) شخص، بينما المعيار القائم على أسس صحية في هذا المجال يقضي بألا يزيد على شخصين لكل غرفة نوم، إلا أن هذا المعدل للاكتظاظ أو التزاحم تزداد حدته في الأحياء والبيوت القديمة في وسط المدن، الذي يصل حجم الأسر فيها إلى ثمانية أفراد، بل ربما ازداد حجم هذا المتوسط عن ذلك خاصة لبعض الأسر الوافدة العربية والآسيوية، ناهيك عن الأفراد من الأيدي العاملة الذين يقيمون بالعشرات في تلك البيوت القديمة بعد تقسيمها إلى غرف. إن عدد الوحدات السكنية المستأجرة من غير السعوديين تبلغ نحو (1.4) مليون وحدة سكنية، معظمها تتألف من ثلاث غرف نوم فما دون، مما يعني أن تلك الوحدات تعاني بالتأكيد اكتظاظاً حاداً من المقيمين بها، وبالتالي تمثل بيئة حاضنة لانتشار الأوبئة المعدية بين قاطنيها، فهلّا حان الوقت لتطبيق المعايير الصحية في إشغال تلك المساكن المستأجرة لتفادي تبعاتها على أفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين؟ خاصة ونحن نعاني من ظروف صحية طارئة واستثنائية وحرجة لا تقبل التأجيل لهذا الأمر، ولدينا في ذات الوقت رصيد يلبي الحاجة من المساكن الشاغرة الصالحة للسكن.