يضم مخيم الهول في شمال شرقي سورية -تلك المنطقة التي تصفها تقارير عدة ب "القنبلة الموقوتة"- أكثر من 68 ألف شخص غالبيتهم من المحتجزين الذين هم على صلة بتنظيم داعش الإرهابي، وسط صعوبات تتعلق بمعرفة مصيرهم أو مستقبلهم. وخلف أسوار مخيم الهول، يوجد مجموعة من الرجال والنساء الأكراد يعملون على حراسة المخيم الذي تحوّل إلى مركز احتجاز للنساء والأطفال الفارين من مناطق سيطرة داعش، وبين أزقة هذا المخيم يمكن سماع ألسنة تتحدث بلغات عدة وصلت إلى سورية من أكثر من 70 دولة. وقامت صحيفة "ذا انفستيجتيف جورنال - تي آي چيه" البريطانية بثلاث رحلات لهذا المعسكر على مدار الأشهر القليلة الماضية، وفي كل رحلة كان الوضع الأمني يزداد سوءاً، حيث يقول الضباط المسؤولون بالمخيم إنه بعد أن شنت تركيا هجماتها على شمال شرقي سورية في أكتوبر الماضي، كثير من كوادر الأسايش "المخابرات الكردية" الأمنية هناك اضطروا لترك أماكنهم لدرء الهجمات التركية في مناطق أخرى. الجرائم وغيرها من كافة أشكال العنف في المخيم هي أمور شائعة جداً، والتي عادة ما ترتكب بواسطة أعضاء في مخيم الخليفة -كما يطلق عليه- كما أن المحتجزين في مخيم الهول الذين ما يزالون على علاقة فكرية بتنظيم داعش ويردون بالعنف على المخالفين لهم في الفكر. بالإضافة إلى تفشي العنف في المخيم، فإن حجم المعسكر المترامي الأطراف وافتقاده للأوضاع الأمنية يجعل من الهروب أمراً حتمياً، "الناس تحاول الهرب يوميا، وهناك من يهرب بالفعل كل أسبوع"، هكذا قالت المسؤولة عن إدارة المخيم، مضيفة أنه في حين الهاربين من داعش أرادوا الاستقرار في إدلب أو دير الزور، التي تعاني من عدم الاستقرار الأمني المتفاقم والهجمات المستمرة التي تشن بواسطة خلايا داعش النائمة، فإن الأغلبية منهم أرادت العبور خارج سورية في الاتجاه إلى تركيا. إحدى الصحفيات المقيمات في تركيا أفادت بمعلومات تفصيلية عن إحدى محاولات الهروب هذه لكن دون الكشف عن هويتها نتيجة لتعرضها لتهديدات بالقتل. وطبقاً لروايتها فإنه في ديسمبر 2019 قامت أربع نساء من الحاملين للجنسية التركية هن "هاتيس جيونس، حفصة جونيس، بيزا جونيس وبيرير جونيس" بالهروب من معسكر الهول. ووفقاً لرواية الصحفية، فهؤلاء التركيات تسللن من المعسكر بمساعدة مهرب وتوجهن إلى مانبيج وجارابولوس المحتلة من قبل القوات التركية، وهؤلاء النساء ذهبن إلى الشرطة التركية هناك والتي ساعدتهم للعبور إلى داخل تركيا وهن الآن أحرار في تركيا. وتقول الصحفية إن أعضاء في تنظيم داعش من حاملي الجنسية التركية يتم مساعدتهم دائما من قبل الشرطة والجيش التركي في عفرين المحتلة وجارابوبوس في هروبهم إلى تركيا". واختتم تقرير "تي آي چيه" بشهادة للصحفية قائلة إنها بدأت في التركيز على كيف أن تركيا تتعامل مع أعضاء تنظيم داعش بعد أن لاحظت أن أعضاء تنظيم داعش وخاصة القيادات منهم يتم القبض عليهم صورياً في تركيا وبعدها يتم فوراً إطلاق سراحهم؛ مضيفة أن لديها العديد من المعلومات، ولكن كونها تعيش في تركيا فإنه من الخطر عليها أن تفصح عن هذه المعلومات. حيث إنهم لن يقبضوا عليها فحسب ولكن قد يصل الأمر للقتل. من جانب آخر، أوضح ممثل صندوق الأممالمتحدة للسكان في سورية، كارِن دادوريان، أن النساء والفتيات يواجهن مخاطر مختلفة في شمال شرق سورية فيما يخص الحماية والصحة الإنجابية، ويقول ممثل الصندوق إن خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي "مرتفع بشكل خاص في مخيمات مثل الهول، الذي تبلغ نسبة النساء والأطفال فيه 96 % من مجموع سكان المخيم". ومع إعلان تحرير كامل المناطق التي كانت خاضعة لاحتلال المرتزقة، شهد مخيم الهول العديد من محاولات نساء المرتزقة أنفسهن لإعادة التنظيم، فقد نظمن داخل المخيم دورات لترسيخ الفكر الداعشي لدى الأطفال، وأسسن مجموعات لتدريب الأطفال على الإيديولوجية الداعشية، ومحاسبة ومقاضاة قاطني مخيم الهول من النساء، والأطفال الذين يخالفون فكر المرتزقة المتطرف، فباتت عمليات الجلد، والقتل والفرار تحصل بشكل شبه يومي داخل المخيم. وأكدت مسؤولة القوات الأمنية في مخيم الهول أيلول رزكار، أن ارتفاع وتيرة الجرائم في مخيم الهول تنبئ بالخطر الذي يشكله بقاء أسر المرتزقة في المخيمات دون تحرك الدول المعنية بشكل جِدّي لإيجاد حلول جذرية لهم. وكشفت عن أعداد وأرقام الجرائم التي وقعت، وسبب ارتفاع وتيرتها في الآونة الأخيرة، وما يتطلب من إجراءات للحد من خطر هذه الأسر. وقالت أيلول رزكار: "الجرائم التي تقع في المخيم من قتل، وطعن، وإحراق خيم القاطنين في المخيم هي محاولات نساء داعش اللواتي يتعصبن لفكر داعش المتطرف من أجل المحافظة على الفكر الداعشي، وإعادة ترسيخه لدى من يحاولون الابتعاد عنهم، وتُرتكب هذه الجرائم بحق الخارجين عن هذا الفكر، حتى أن التهديدات طالت أفراد القوى الأمنية المسؤولة عن حماية المخيم". وكشفت أيلول رزكار، عن إحصائيات الجرائم المرتكبة ضمن مخيم الهول، والتي بدأت بعد استقرار أسر المرتزقة ضمن المخيم قائلة: "وقعت 24 حالة قتل لنساء ورجال سوريين وعراقيين وأجانب منذ قدوم أسر داعش إلى مخيم الهول، إلى جانب وقوع 11 محاولة قتل نجا منها المستهدفون، واحتراق 506 خيم بفعل فاعل، ومحاولات فرار أكثر من 300 أسرة". ونوّهت رزكار أيلول أن هذه الجرائم ازدادت وتيرتها بعد عملية القضاء على زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، وبالتزامن مع هجمات الجيش التركي ومرتزقته على مناطق شمال وشرق سورية، وتمكّن نسوة داعش في مخيم عين عيسى من الوصول إلى مناطق الاحتلال التركي. وتواصل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية، وممثلوها خلال زياراتهم الخارجية دراسة ملف معتقلي داعش وأسرهم ضمن مساعٍ رامية إلى إنشاء محكمة دولية لمقاضاة معتقلي داعش، وأسرهم في المنطقة، أو إجلاء الدول لمواطنيها، للتوصل إلى حلول جذرية لهذا الملف. وأكدت نائبة الرئاسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية عبير إيليا أنه وإلى الآن ليست هناك أي ردود واضحة وصريحة للدول الأجنبية حيال مواطنيها المنضمين إلى داعش والموجودين في المعتقلات، ومخيمات شمال وشرق سورية، باستثناء محاولات بعض الدول إجلاء عدد من الأطفال والنساء.