ذكر عالم الاجتماع "روبرت سياليديني" أن الإنسان لديه شعور بالالتزام للقيام بما تعود على فعله بشكل كبير ويسمى هذا "الالتزام والاتساق" حيث يرجح أننا نضطر إلى الاستمرار في تكرار قراراتنا وأفعالنا الماضية، حتى عندما يكون من الواضح خطؤها، وأحد العوامل المؤثرة هو "العقل الجمعي" الذي يشير إلى الشعور بالأمان عند التواجد ضمن مجموعة. لذلك لابد من رفع منسوب الوعي في المجتمع، فكلما زادت نسبة الوعي المجتمعي تجنبنا الخسائر المادية والأخلاقية، لأن تعقد تركيبة النفس البشرية تمثل مصفوفة من التحديات والصعاب التي يواجهها كل فرد يومياً مع نفسه، ومحيطه، ومن أجل الاستفادة من القدرات البشرية، يتطلب نسف كل الصور التقليدية، وكذلك المسميات التي رسمناها واطلقناها سابقاً، والعمل بشكل جاد ومتساوٍ مع العلوم وخصوصاً علم الاقتصاد، فكل تقدم اقتصادي يتبعه موجات كثيرة وكبيرة من التغيير. ويؤكد زيجمونت باومان ذلك عندما تحدث عن "الحداثة السائلة" وما تفرضه علينا من معطيات مختلفة تؤثر على السلوك البشري بشكل مباشر وغير مباشر، ولكن يجب ألا نغفل الطبيعة البشرية في اختياراتها أو طريقتها في التعامل مع ما حولها، وكذلك التأثر بمحيطها، لذلك يأتي علم الاقتصاد ليعالج المعضلات والتحديات التي تواجهها المجتمعات، فنحن كبشر لابد أن نداوي مواضع العجز فينا، فلا يوجد فرد يرغب في أن يكون عديم الطعم، ولا توجد أفكار ساذجة، وليس هناك خرائط تفصيلية نتبعها في طريقة عيشنا وتعاملاتنا مع الآخر، ولماذا لا نستفيد من قدراتنا المنثورة هنا وهناك. ويأتي التحول في مفهوم الاقتصاد ودوره في المجتمعات ويجعلنا أمام تحدي الاستفادة من كل الطاقات البشرية الموجودة وهذا يسمى ب "اقتصاد الإلهام" والذي يخفض من نسبة الفوارق بين الناس ويقيس الأداء بما نقدمه نحو المجتمع من نماذج ناجحة ومتجددة ومتغيرة، ويعرف د. محمد بوحجي اقتصاد الإلهام بأنه: "ذلك الاقتصاد الذي يحرك المجتمعات والمؤسسات لتكون أكثر إلهاماً وإصراراً وتجدداً على تحقيق الفارق في الأثر من خلال عمليه الإلهام التي تقوم على ممكنات الإلهام وهي مصادر وروح وفرص الإلهام". فهو ممارسات ملهمة مرتبطة بالقدرات التي تعتمد على استكشاف النفس وكيفية الاستفادة منها، حيث تتطلب مرونة عقلية من أجل الابتكار والبحث عن الفرص واكتشافها، كذلك روح المبادرة والمخاطرة، والقدرة على التنبؤ وتركز على العمق والاستدامة. وقد أوصى د. محمد بوحجي بإنشاء مجلة علمية أكاديمية محكمة وهي (المجلة الدولية لاقتصاد الإلهام) وتم تأسيسها عام 2014م، وبعدها في 2015م تم إنشاء (المعهد الدولي لاقتصاد الإلهام). وانتشرت فكرة اقتصاد الإلهام من أجل المساهمة في حل الأزمات الاقتصادية من خلال مختبرات الإلهام التي ترتكز على منهجيات فريدة لتغيير وتطوير المستهدفات من المجتمعات. فالاقتصاد الآن هو روح الحياة، وهو بمثابة الرأس للجسد في هذا العالم الضاج بكل التنوع والاختلاف.